الوقت- مع مرور السنة تلو الأخرى من عمر الأزمة السورية، يتكشف لنا يوما بعد يوم الدور الأمريكي في الأزمة السورية وأياديه الخفية في تأجيج هذا الصراع عن طريق ماكيناته الإعلامية وحلفائه في المنطقة، إلا أنه لم يستطع الاختباء مطولا، فمطار الشعيرات السوري كشف حقيقة ادعاءاته المزيفة ليظهر دوره المخرب واضحا في قصفه للمطار بعد أن يأس من حلفائه وفشلهم في تحقيق أي تقدم على الأرض.
لكن العم سام على مايبدو لا يريد أن يصدق أن زمن الهيمنة الأمريكية قد ذهب إلى غير رجعة، وبأن الساحة الدولية أصبحت تعج بالقوى الأخرى المحصنة بالمال والعلم والسلاح وعلى رأسها روسيا، بالإضافة إلى ظهور قوى إقليمية أخرى أظهرت قدرتها وثباتها ومقاومتها للعقوبات الأمريكية الظالمة لتخرج أقوى في كل مرة متحدية كل الظروف والمؤامرات التي تحضر لها في كل يوم، وهنا نتكلم عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي أصبحت تشكل مع روسيا نموذج دولي يحترم الشرعية السياسية والدولية ويواجه الاستكبار الغربي وهذا ما ظهر جليا من خلال دورهما البناء والفعال في الحرب المفروضة على الشعب والدولة السورية.
ومع وصول الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة حاولت إدارة البيت الأبيض من جديد سحب البساط من تحت روسيا وإيران، علها تستطيع إعادة ما كانت عليه خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو في العام 1991، لكن الظروف الدولية تغيرت والانهيار الاقتصادي المفاجئ سنة 2008 كان له أثر بالغ الضرر على أمريكا وعجلة اقتصادها، مما اضطرها مكرهة لاستخدام الدبلوماسية ولو بشكلها المقنّع.
فأمريكا شهدت إبان حكم الرئيس السابق باراك اوباما إنكفاءا على صعيد السياسة الخارجية، فتلك الإدارة فضلت أساليب حرب الوكالة والحرب الناعمة ولم تكن تفضل أساليب التدخل العسكري المباشر تحديدا في منطقة لها حساسية تاريخية خاصة كالشرق الأوسط، إلا أن السياسة العبثية لأوباما ساهمت في زيادة تعقيد المشهد السياسي خاصة على صعيد سوريا والعراق.
ليأتي ترامب ويستلم مفاتيح البيت الابيض، ترامب ورغم الكثير من الآمال اللامنطقية التي رافقت صعوده إلى المشهد السياسي وتحديدا تصريحاته الهوائية فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب والتعاون مع روسيا، أظهرت لنا فيما بعد أنها لم تكن سوى بروباغندا دعائية ضمن حملة الرجل الانتخابية، فترامب اليوم يمثل الشكل الكلاسيكي والتقليدي لأي رئيس جمهوري أمريكي.
ومع دخول ترامب إلى المشهد السياسي في سوريا ومحاولاته الحثيثة للتفرد بالحل هناك عن طريق أساليب وطرق مختلفة ابتداءا بخطابات نارية تحمل في طياتها صيغة تهديدية ضد كل من إيران وروسيا وصولا إلى محاولته كسب غطاء دولي لدخول سوريا عن طريق إدعائه أنه يريد محاربة الإرهاب وحماية المدنيين هناك، ولكن على ما يبدو أن صواريخ توماهوك الترامبية أخطأت طريقها هذه المرة، فمن يريد محاربة الإرهاب لا يحمي جبهة النصرة ولا يقصف من يحارب الإرهاب منذ سبعة أعوام وباعترافات من مفكرين وسياسيين أمريكيين مخضرمين على رأسهم نعوم تشومسكي وبوب وودورد، اللذين انتقدا بشكل علني الدور العبثي الذي لعبته أمريكا عن طريق وكالة الاستخبارات المركزية في زعزعة الأمن في المنطقة.
ومن جديد خرجت علينا الخبيرة الأمريكية في معهد المجلس الأطلسي "بابارا اسلاوين" بتصريح نشرته وكالة ارنا الإيرانية قالت فيه أنه إذا كان الرئيس الأمريكي ذاهب الي حل الأزمة السورية عليه أن يعرف أنه لن يكون قادرا علي القيام بذلك دون مساعدة إيران وروسيا.
واعتبرت الحديث عن دوافع ترامب من هذا الإجراء، بأنه أمر صعب نظرا لطبيعة شخصيته الغريبة والمتلونة. وأضافت اسلاوين بأن الهجوم الصاروخي الأمريكي ضد سوريا هو إجراء متسرع وعاطفي لن يكون قادرا على حل الأزمة السورية.
وهنا لابد من السؤال التالي، هذا الرجل المتسرع والعاطفي والذي لم يستطع تحمل المشاهد المؤلمة لأطفال خان شيخون فضرب موقعا تابعا للمؤسسة العسكرية السورية وقتل مدنيين هناك عوضا عن مساعدة الأطفال نفسهم في خان شيخون، وإن كان عاطفيا هكذا لماذا لم تتحرك عواطفه عندما رأى أشلاء أطفال كفريا والفوعة؟، لماذا لم يقصف الدول الراعية والحامية لتلك الجماعات التي قتلت عشرات الأطفال والنساء وربما المئات؟!.
ترامب لايتصرف بمفرده، ترامب جاء لينفذ سياسة الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تقوم بأي فعل اعتباطي دون التخطيط والتنفيذ له بشكل مسبق، فإظهار ترامب دائما بأنه مزاجي ولا أحد يعرف كيف يتصرف، لا يذكرنا سوى بالحملة الإعلامية التي شنتها وسائل الإعلام بكل أطيافها واصفة سلفه بوش الابن بأنه غبي وصاحب قرارات قاتلة، فهل من المعقول أن بوش هو من قاد أمريكا لدخول العراق دون أي تخطيط مسبق من قبل أجهزة الاستخبارات والبنتاغون؟!.