الوقت- باستطلاع لدور سلطنة عمان سنجد تاریخاً طویلاً من الحیادیة والحفاظ علی العلاقات الإیجابیة والندیة مع العدد الأکبر من دول العالم وخاصة دول الشرق الاوسط صاحبة الأزمات الأعقد والأصعب ومنطقة الصراع السیاسي الاقتصادي الفکري والمذهبي، وفي ظل هذا کله تحافظ عمان علی استقرارها ونموها وتطورها بنجاح یشهد له الجمیع کونها أصرت بقیادة السلطان قابوس بن سعید علی إبعاد نفسها عن هذه الخلافات والحروب والتحالفات من هنا وهناك، وبذلك یمکنها بإیجابیتها أن تلعب أدوار الوساطة وربط الجهات المتنازعة ببعضها البعض لحل الأزمات علی صعید المنطقة وفي المحافل الدولیة.
ویأتي الوضع المتأزم في بلدان المنطقة عموما من حرب مع الإرهاب في سوریا والعراق والتدخلات الداعمة لهذا الإرهاب وخاصة من الدول العربیة الجارة لسلطنة عمان من السعودیة والامارات وقطر والبحرین والکویت، هذه الدول التي تشکل المصدر الأساسي والأکبر لتمویل الجماعات الإرهابیة في سوریا والعراق وعلی رأسها داعش وجبهة النصرة، وما یلحق ذلك من ضغوطات دولیة وإقلیمیة، تمولها أیضا تلك الدول، کالضغوطات الامریکیة والاوروبیة والکیان العبري الذین یسعون لتطبیق سیاساتهم والحفاظ علی سیطرتهم وتحکمهم بالمنطقة ککل وحمایة مصالحهم الإقتصادیة فیها، وفي ظل ذلك كله یدهش المراقب کیف استطاعت سلطنة عمان الحفاظ علی استقرارها السیاسي وحیادیتها الدبلوماسیة ومنع التدخل في شؤونها الداخلیة عموما والندیة في مشارکة الحیاة السیاسیة والاقتصادیة مع الدول المختلفة بل والسعي للعب الأدوار الإیجابیة في حل مشاکل دول عدة والتدخل سلمیاً لحل الصراعات والأزمات دبلوماسیا.
وفي الإطار وقفت عمان موقفا رافضا للإرهاب ولدعمه وامتنعت عن التدخل في الشؤون الداخلیة لسوریا، بل علی العکس قامت بتقدیم المساعدات الإنسانیة للمهجرین السوریین والشعب السوري وبررت وأیدت الموقف الإیجابی لإیران لمساعدتها ومساندتها السوریین في الدفاع عن نفسهم ومواجهة الجماعات الإرهابیة، کما سعت السلطنة للدفع باتجاه الحل السیاسي في سوریا ودعم وتأیید الجهود التي تقوم بها الحکومة السوریة والتندید بالواقفین والساعین لإسقاط الحکم في سوریا، وفي المسار ذاته کان موقف السلطنة الداعم للعراق والمستنکر للهجمات الإرهابیة علیه، کما یذکر الدور الثابت لعمان في القضیة الفلسطینیة والمؤید والمدافع عن حقوق الشعب الفلسطیني والرافض للإعتداءات الإسرائیلیة علیه.
إقلیمیا یشار أیضا إلی موقف عمان الممیز من الحرب علی الیمن ووقوفها موقف الرافض لقرار الحرب والممتنع عن المشارکة فیها رغم وجودها في مجلس التعاون الخلیجي، إصرارا منها علی اتباع الحلول السلمیة في حل الخلافات وطرحها الحوار کسبیل لإنهاء النزاع، مشیرة في تصریح وزیر خارجیتها إلی عدم استعداد أطراف النزاع للحوار في الوقت الحالي، کما أن ترحیب أنصار الله علی لسان عضوها السیاسي محمد البخیتي بموقف عمان المحاید یطرحها وبقوة للعب دور الوسیط في الأزمة الیمنیة.
وأما دولیا فقد انطلقت عمان في سیاستها الخارجیة من العزل إلی دبلوماسیة الوساطة، فقد برز أخیرا دور ممیز وجرئ للدبلوماسیة العمانیة في مفاوضات دول الخمسة زائد واحد بالتحریك والدفع باتجاه الحل للملف النووي للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، الأمر الذي أکدته وأثنت علیه الدبلوماسیة الإیرانیة بشخص مساعد وزیر الخارجیة الإیراني في الشؤون العربیة والأفریقیة عبد اللهیان، وقد صرحت عمان علی لسان وزیر خارجیتها یوسف بن علوی بترحیبها بالإتفاق الذی تم التوصل إلیه في هذا المجال، وعبر عن دعمه لحق إیران بالحصول علی الطاقة النوویة للأغراض السلمیة.
لکن هذه المواقف الجریئة لعمان لم تمر دون انتقادات قویة من قبل بعض الدول العربیة التي تلعب دولیا إلی جانب أمریکا وسیاساتها في المنطقة، وأبرز تلك الإنتقادات کانت من النظام السعودي، کما ورافق تلك الانتقادات محاولات للضغط السیاسي والإقتصادي بالتلویح بقطع المساعدات الإقتصادیة عن عمان في محاولة لحث السلطنة علی تغییر مواقفها، لکن ورغم ذلك تمکنت عمان بمرونتها وحنکتها السیاسیة من امتصاص تلك الضغوط ومنع تأثیرها علی مواقفها السیاسیة، وهنا یثنی علی عمان علی جرأتها وتحملها مخاطر المسیر بین أشواك الأزمات الإقلیمیة علی وجه الخصوص.
هذا النجاح الملفت للدبلوماسیة العمانیة في سیاستها الخارجیة وبقائها علی الحیاد في شتی نزاعات المنطقة ووقوفها إلی جانب حقوق شعوبها المستضعفة یبرز عمان کلاعب أساسي في السیاسة الإقلیمیة والدولیة ویمهد للعبها أدوارا محوریة في حل أزمات المنطقة والعالم، کما یبشر بمستقبل مشرق للدبلوماسیة العمانیة في المحافل الدولیة لکنه یضع مرونتها ونشاطها السیاسي محل امتحان کبیر وتحدیات ضخمة في ابراز قدرتها علی الدفع باتجاه الحلول السلمیة وإنهاء النزاعات.