الوقت - من الأمور التي أثارت اهتمام المراقبين بعد تسلم الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" مهام عمله في 20 كانون الثاني/يناير 2017، هي رؤيته بشأن الأوضاع السياسية والعسكرية في غرب آسيا.
ورغم مرور أكثر من شهرين على دخول ترامب البيت الأبيض لم يلمس المتابعون أي تغيير في سياسة واشنطن تجاه المنطقة سوى زيادة التواجد العسكري للقوات الأمريكية في المنطقة لاسيّما في العراق وسوريا واليمن وأفغانستان.
ومن خلال نظرة واقعية وتحليلية لسياسة ترامب بشأن غرب آسيا يمكن وصف هذه السياسة بأنها ذات نزعة عسكرية تهدف إلى تكريس حالة الحرب لتحقيق أهداف أمريكا السياسية والاقتصادية والأمنية في هذه المنطقة.
ومن الأدلة التي تعزز هذا الاعتقاد هو اختيار ترامب لمستشارين ومعاونين ووزراء عرفوا بتوجهاتهم العسكرية وتحريضهم على زيادة عدد القوات الأمريكية في المنطقة وفي مقدمتهم وزير الدفاع "جيمس ماتيس".
في هذا السياق أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في مقال لها نشرته مؤخراً بأن النزعة الحربية لحكومة ترامب شاخصة للعيان وهي تهدف إلى إطالة أمد الحروب في غرب آسيا، مشيرة في هذا الخصوص إلى زيادة عدد القوات الأمريكية في كل من العراق وسوريا واليمن وأفغانستان، الأمر الذي من شأنه أن يُبقي الأزمات المشتعلة في هذه الدول إلى أجل غير محدود، لغرض تنفيذ سياسات واشنطن في عموم المنطقة.
وعلى الرغم من مزاعم ترامب التي أطلقها خلال حملته الانتخابية والتي أكد فيها بأن الاهتمام بالشؤون الأمريكية الداخلية يحظى بأولوية في سياسته العامة من خلال رفعه لشعار "أمريكا أولاً"، إلاّ أن الوقائع الموجودة على الأرض تدحض هذه المزاعم لتؤكد بأن السياسة الحقيقة لترامب وفريقه الرئاسي هي سياسة حربية بحتة تتمحور حول توسيع نفوذ أمريكا العسكري في مختلف أنحاء العالم لاسيّما في غرب آسيا.
ومن أجل تسليط الضوء أكثر على هذه الحقيقة نشير بشكل موجز إلى أهم الدول التي شهدت زيادة في عديد القوات الأمريكية على أراضيها أو زيادة نوعية في حجم التدخل العسكري الأمريكي المباشر في شؤون هذه الدول.
التدخل العسكري في سوريا
بعد وصوله إلى سدة الرئاسة في أمريكا دعا ترامب وزير دفاعه "جيمس ماتيس" إلى إعداد خطة خلال شهر واحد للقضاء على الجماعات الإرهابية في سوريا وفي مقدمتها "داعش". كما طرح ترامب فكرة إقامة "مناطق آمنة" في سوريا، لكنه اكتفى حتى الآن بزيادة عدد القوات الأمريكية، وإرسال المزيد من الأسلحة إلى "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية في شمال وشمال شرق هذا البلد. ومن بين هذه الأسلحة مدافع متطورة مضادة للدروع وصواريخ حديثة مضادة للطائرات. كما أعلن البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" عن وجود نية لإرسال نحو ألف عسكري أمريكي إضافي إلى سوريا خلال الأيام القادمة. وهذه الأرقام تشير بشكل واضح إلى أن حكومة ترامب بصدد رفع مستوى تدخلها العسكري في سوريا في المرحلة المقبلة.
التدخل العسكري في العراق
زادت القوات الأمريكية في الآونة الأخيرة وبشكل ملحوظ من غاراتها الجوية في العراق خصوصاً خلال عمليات تحرير مدينة الموصل شمال البلاد. كما أنها زادت من عدد جنودها ومستشاريها العسكريين في هذا البلد بحجة محاربة الإرهاب. وتشير القرائن المتوفرة إلى أن القوات الأمريكية بصدد الاستقرار في قاعدة "القيّارة" الجوية جنوب الموصل لاستقبال المزيد من العسكريين الأمريكيين خلال الفترة القادمة.
التدخل العسكري في اليمن
زادت القوات الأمريكية من غاراتها الجوية في اليمن خلال الأسابيع الأخيرة بحجة محاربة تنظيم "القاعدة". وتؤكد التقارير العسكرية بأن عدد هذه الغارات خلال الشهر الماضي وحده فاق مجموع الغارات التي شنتها هذه القوات في العام الماضي بأكمله.
ويؤكد المراقبون بأن هذه الغارات تهدف في الحقيقة إلى دعم القوات السعودية في عدوانها المتواصل على اليمن منذ أكثر من عامين، وكذلك القوات الموالية للرئيس الهارب "عبد ربه منصور هادي" لإضعاف حركة أنصار الله والجيش اليمني واللجان الشعبية في هذا البلد.
التدخل العسكري في أفغانستان
على الرغم من توقيع اتفاقية أمنية بين الحكومة الأفغانية ونظيرتها الأمريكية في عهد الرئيس السابق "باراك أوباما" لتقليص عدد القوات الأمريكية في الأراضي الأفغانية بحلول نهاية العام الجاري، أعلنت إدارة ترامب عن عزمها زيادة عدد هذه القوات، ما يؤكد بأنها تخطط لتكريس التواجد العسكري الأمريكي لتحقيق أهداف أمنية وسياسية واقتصادية استراتيجية في غرب آسيا.
ومن الأهداف البارزة التي تسعى إدارة ترامب لتحقيقها عقد صفقات ضخمة لبيع الأسلحة إلى الأنظمة الموالية لها في المنطقة، خصوصاً السعودية ودول أخرى في مجلس التعاون.