الوقت- إن التدخل الأمريكي في شؤون دول أمريكا اللاينية كان دوماً سبب النزاعات القائمة فيها. ولذلك وبعد أن قررت أمريكا اليوم تسوية علاقاتها مع هذه الدول، أصبحت تقوم بدور الوسيط لحل النزاعات الحاصلة. في وقتٍ تشير فيه كافة التقارير الى أن أمريكا تقف وراء هذه النزاعات والتي أودت بحياة الكثيرين وهجَّرت الملايين. ولعل نزاع كوبا هو الأشهر بين هذه النزاعات ضراوةً. فماذا في آخر مستجدات النزاع الحاصل؟ وكيف تحاول أمريكا تقديم نفسها كمخلصٍ لدول امريكا اللاتينية؟
قدم متمردو القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) الجمعة إلى الحكومة، خمسة مقترحات تهدف إلى تسريع عملية محادثات السلام الجارية في كوبا، لإنهاء النزاع المسلح المستمر منذ نصف قرن في البلاد. وفي رسالة مفتوحة إلى الرئيس خوان مانويل سانتوس، دعت الأمانة العامة لأركان الحركة المتمردة أولا إلى أن ينشر في جميع أنحاء البلاد، تقرير "اللجنة التاريخية للنزاع وضحاياه" والذي أعده 12 جامعياً وسُلم إلى المفاوضين في فبراير الماضي. وطلبت الحركة من الرئيس وحكومته قراءة هذا التقرير بتأن. وتطالب الأمانة العامة للهيئة الجماعية، التي تدير حركة التمرد أيضا بإنشاء لجنة لتقييم هذا التقرير وتحديد المسؤوليات القانونية والسياسية للأطراف. كما تطلب "فارك" إنشاء لجنة لتوضيح "ظاهرة انتشار القوات شبه العسكرية"، وكشف الوثائق السرية المرتبطة بالنزاع. ويريد المتمردون من الرئيس ألا يتأثر بتقلبات السياسة الداخلية، وذلك بعد أن صرح سانتوس الذي واجه انتقادات لمواصلته المفاوضات على الرغم من مقتل أحد عشر جندياً في هجوم شنته الحركة المتمردة، أنه لا يمكن إحلال السلام إذا بقيت جرائم بدون عقاب. وأضاف، أن استراتيجية القضاء الإنتقالي التي تشكل محور المحادثات التي تجري بين الجانبين في هافانا يجب أن تكون "متلائمة" مع القانون الوطني والدولي. وأكد سانتوس، أنه يأمل في أن تطلب فارك الصفح بعد الهجوم الذي أودى بحياة الجنود وجرائم أخرى. وتهدف المفاوضات بين السلطات وحركة التمرد التي بدأت في كوبا في نوفمبر 2012 إلى تسوية أقدم نزاع في أمريكا اللاتينية الذي أسفر رسمياً خلال نصف قرن عن مقتل 220 ألف شخص ونزوح خمسة ملايين آخرين .
ولعل هذا التحول الحاصل يشكل المنعطف الثاني المهم فيما يتعلق بقضية النزاع، بعد زيارة المبعوث الأمريكي الشهر الماضي. وهنا يأتي السؤال عن سبب التأخر الأمريكي في حال هذا النزاع الذي طالما بقي لخمسين عاماً؟ ولماذا قررت أمريكا اليوم حل النزاع الكوبي؟
الحقيقة واضحةٌ وتكمن في أن أمريكا أخذت قراراً بتسوية اوضاعها مع جيرانها، بعد تدهور أوضاعها في الشرق الأوسط. ولذلك أخذت على عاتقها تقديم حلولٍ لمشاكل كانت هي السبب في وضع كوبا فيها. فعملية السلام الكولومبية تطورت للافضل بعد أن قال مسؤول حكومي كولومبي في آذار الماضي أن أمريكا عينت بيرنارد أرونسون في الأونة الأخيرة، مبعوثاً خاصاً لمحادثات السلام الكولومبية. والذي كان التقى مع مفاوضي الحكومة والمتمردين لأول مرة يوم الشهر الماضي حيث عقد محادثات منفصلة مع الطرفين. وكان قد عين الرئيس الأمريكي باراك أوباما الدبلوماسي المحنك أرونسون مبعوثاً خاصاً لمحادثات السلام الكولومبية في 20 فبراير\شباط الماضي. وكان هذا ثاني إرتباط رئيسي لواشنطن مع أمريكا اللاتينية بعد العدول عن السياسة التي كانت تطبقها واشنطن منذ فترة طويلة بشأن كوبا في 17 ديسمبر كانون الأول والموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية وإنهاء مواجهة مع هافانا استمرت 50 عاماً .
ولعل محادثات السلام هذه، والتي تحاول فيها الحكومة الكولومبية وجماعة القوات المسلحة الثورية الكولومبية الماركسية(فارك) إنهاء أقدم حرب في أمريكا اللاتينية والتي أسفرت عن سقوط أكثر من 200 ألف قتيل منذ عام 1964. فقد نقل المسؤول الكولومبي، أن إجتماعات أرونسون والتي التقى خلالها همبرتو دو لاكال، ممثل الحكومة الكولومبية في المفاوضات، ثم بعد ذلك مع قادة المتمردين، أن الإجتماعات كانت خاصة جداً. والمفارقة أن فارك كانت تطالب ومنذ فترة طويلة بالتدخل الأمريكي المباشر في المحادثات. وهذا ما طلبه الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس، من أمريكا وحثها على القيام بدور مباشر وبشكل أكبر، وذلك خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لبوجوتا في ديسمبر كانون الأول، الماضي .
إن أمريكا بسياستها البراغماتية، ترسِّخ واقع المصالح الذي سرعان ما ينهدم، لمجرد سقوط المصلحة. ولذلك تقدم اليوم امريكا نفسها، بأنها حمامة السلام، وتحاول حل نزاعٍ طويل الزمن، كان لها اليد الأولى في إشعاله. ولكن السؤال الأهم، ما هو الثمن الذي تسعى إليه أمريكا بالتحديد؟