الوقت- سأبقى مجهولاً...والدي لم يكن له نسب ... لقد سلبتمونا حتى أسمائنا عندما أتيتم بنا إلى هنا عبيداً....
هكذا أجاب مالكوم إكس "الحاج مالك شباز" في إطلالته الإعلامية الأولى، رداً على سؤاله حول أسمه الحقيقي.
ولد الناشط والحقوقي والداعية الأمريكي المسلم، مالكوم "ليتل" إكس في ولاية نبراسكا الأمريكية "29/ أيار/ 1925"، وكان لكفاحه ونضاله في خدمة الإسلام والحريات العامة أثر بالغ على كل الأجيال حتى يومنا هذا.
تلقى مالكوم إكس الصدمات تلو الأخرى منذ بداية حياته، حيث قتل أبوه القس"أورلي ليتل" على يد مجموعة من المتطرفين البيض وأعدم أحد أعمامه دون محاكمة، وفي العام 1937 أصيبت أمه بمرض عقلي، نتيجة الأوضاع المزرية التي كانوا يمرون بها، تاركة 8 أولاد دون أي معيل لهم.
وعاش مالكوم الطفل بعد ذلك صراعاً كبيراً، متمثلاً بالهوية والنشأة، وكان لذلك أثر كبير على شخصيته وسلوكه، يقول مالكوم مستذكراً طفولته " لقد اعتقدت في طفولتي أن اسم الزنجي مرادف لي ولعائلتي للأبد ".
وكأي أمريكي أسود عانى مالكوم من ويلات العنصرية البيضاء الممنهجة ضد الأمريكيين الذين ينتمون إلى أصول أفريقية، ونتيجة هذه العنصرية التي عومل بها ولون بشرته بالإضافة إلى تردي أحوال عائلته وتشرذمها، كل هذه الأسباب وغيرها جعلت مالكوم ينخرط بأعمال بدنية شاقة لتأمين لقمة العيش، فعاش على إثر ذلك الشاب القوي البنية حياة التسكع والتطفل والسرقة.
وفصل من مدرسته وهو بسن السادسة عشر لسلوكه العنيف الغير منضبط وكانت نهاية هذه المرحلة في سجن القصر والأحداث وتردد مالكوم على المدرسة الثانوية وهو في سجن الإصلاح، وكانت صفة الزنجي تلاحقه كظله، وشارك في الأنشطة الثقافية والرياضية بالمدرسة، وأظهر الشاب تفوقا في التاريخ واللغة الإنجليزية.
بعد خروجه من سجن الأحداث سعى للتغير جاهداً وهكذا انتقل من ولايته الجنوبية ذات الأكثرية البيضاء وأشدها تطرفا وعنصرية ضد الأمريكين الأفارقة الى ولاية مانستشوسس وتحديدا مدينة بوسطن في سنة 1940 ليقيم فيها وهنالك تعرف على المجتمع الأسود الذي كانت أحواله أفضل ولو نسبياً مقارنة بالمكان الذي عاش طفولته فيه، ورغم ذلك كانت فرص العمل قليلة في المدينة الجديدة فعمل كماسح أحذية ومن ثم غاسل للصحون، وفي هذه الفترة دخلت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب وكان شاهداً على نتائجها الكارثية على المجتمع، فانتشرت السرقة وأعمال العنف والفساد الأخلاقي وانحدر هو نفسه الى مدارك تلك الحياة الاجرامية، لينتهي الأمر به مرة اخرى في السجن ولكن هذه المرة في سجن تشارلز تاون أحد أخطر وأقدم سجون أمريكا وحكم عليه سنة 1946م بالسجن عشر سنوات، وكانت قضبان السجن ذات ألم رهيب على نفس مالكوم، لذا كان عنيدا يسبّ حرّاسه حتى يحبس حبسا انفرادياً، وتعلم من الحبس الانفرادي أن يكون ذا إرادة قوية يستطيع من خلالها التخلي عن كثير من عاداته، وفي عام 1947م تأثر بأحد السجناء ويدعى بيمبي الذي كان يتكلم عن الدين والعدل فزعزع بكلامه ذلك الكفر والشك من نفس مالكوم، وكان بيمبي يقول للسجناء: إن من خارج السجن ليسوا بأفضل منهم، وإن الفارق بينهم وبين من في الخارج أنهم لم يقعوا في يد العدالة بعد، ونصحه بيمبي أن يتعلم، فتردد مالكوم على مكتبة السجن وتعلم اللاتينية.
في عام 1948 انتقل مالكوم إلى سجن كونكورد وكتب إليه أخوه فيلبيرت أنه اهتدى إلى الدين الطبيعي للرجل الأسود، ونصحه ألا يدخن وألا يأكل لحم الخنزير، وامتثل مالكوم لنصح أخيه ثم علم أن إخوته جميعاً في دترويت وشيكاغو قد أعتنقوا الإسلام، وأنهم يتمنون أن يسلم مثلهم.
كان للإسلام أثر ثوري على مالكوم فغير مجرى حياته للأبد وامتهن العمل الدعوي بقصد نشر الدين الحنيف داخل السجن، أسلم مالكوم على أفكار أمة الإسلام واتجه في سجنه إلى القراءة الشديدة والمتعمقة فقرأ مواضيع كثيرة خاصة في تاريخ الرجل الأسود، وبعض الأمور التي كونت تفكيره مثل قراءة عن الجينات وكيف أن الرجل الأسود قد ينتج أبيضاً ولا يمكن لرجل أبيض أن ينتج أسوداً، وزاد قاموسه من الكلمات الإنجليزية أكثر من استطاعة أي رجل عادي، وانقطعت شهيته عن الطعام والشراب وحاول أن يصل إلى الحقيقة وكان سبيله الأول هو الاعتراف بالذنب، ورأى أنه على قدر زلته تكون توبته، وبعد خروجه من السجن أصبح ألمع الوجوه الإعلامية لـ حركة"أمة الإسلام" التي كان يتزعمها في ذلك الحين "إليجا محمد".
ورغم أن زعيم حركة "أمة الإسلام" منح مالكوم منبره الأول وإطلالته على العالم، إلا أن أمله قد خاب به، بعد اتهامه بتجاوزات سلوكية، وعلى إثر ذلك توسعت دائرة الخلافات بين إليجا محمد ومالكوم، وقام الأخير بتأسيس منظمة مستقلة عن حركة أمة الإسلام أسماها مؤسسة المسجد الإسلامي في عام 1964.
وفي نفس العام قام مالكوم برحلة إلى العالم الإسلامي، وكان لهذه الرحلة دور جوهري في تغيير عقلية وتفكير مالكوم إكس للاسلام ككل كما غيرت نظرته نحو البيض، وعاد إلى الولايات المتحدة بتصريحات تتبرأ من اعتبار البيض جميعا أشرارا لمجرد كونهم بيضا.
هذا التحول وأفعال مالكوم بعدها أعطت المدافعين عنه ذخيرة كافية ضد محاولات موضعته في التاريخ الأميركي كعنصري أسود، وتأبيد الحكم عليه على أن داعية للعنف والحقد الإثني.
فمالكوم اليوم هو أحد أعمدة تاريخ حركة الحقوق المدنية في العالم إلى جانب مارتن لوثر كينج.