الوقت- نجح تنظيم داعش الإرهابي في استهداف العديد من العواصم الإقليمية والعالمية، وتنوّعت ضرباته على القارات الخمس في العالم. إلّا أن إيران، التي تعيش وسط المنطقة الأكثر اشتعالاً في العالم حيث تحدّها من الشرق كل من باكستان وأفغانستان وغرباً تركيا والعراق حيث تنشط التنظيمات الإرهابية، كانت بمنأى عن ذلك.
لطالما تساءل كثير من سكّان المنطقة عن أسباب عدم تنفيذ تنظيم داعش أي هجوم إرهابي على الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة. حتى الساعة، لم ينحج التنظيم الإرهابي في تنفيذ هجماته الإرهابيّة داخل الأراضي الإيرانيّة، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: لماذا فشل تنظيم داعش الارهابي الذي دخل لمحافظة ديالى العراقيّة في اجتياز الحدود الإيرانيّة؟ لماذا عجز التنظيم الإرهابي الأبرز، والذي بات فاعلاً في أفغانستان، رغم الشريط الحدودي الواسع بين البلدين والذي يبلغ 936 كلم؟ وهل مردّ هذا الفشل هو الاقتدارالأمني الإيراني أم أن طهران لم تكن ضمن أهداف "داعش"، أم هناك سبب آخر؟
لا شكّ أن إيران أحد الأهداف الرئيسة لتنظيم داعش الإرهابي حيث وضعها التنظيم ضمن ولاية خرسان (تضم ولاية خرسان حالياً مناطق من باكستان وأفغانستان)، كما أن القول بأن التنظيم الإرهابي لم يستهدف إيران هو أمر مجافي للحقيقة. فقد تحدّثت الأجهزة الأمنيّة الإيرانيّة عن كشفها للعديد من العمليات الإرهابية وإفشالها. آخر هذه العمليات كانت قبل أيام وتحديداً في ذكرى انتصار الثورة الإسلاميّة الإيرانية 22 بهمن (11 شباط).
قبل هذا التاريخ، نجحت طهران في إفشال العديد من العمليات الإرهابيّة، وقد أوضح وزير الأمن الإيراني السيد محمود علوي بعد كل عمليّة أن كوادر الوزارة تكشف أية نشاطات تستهدف أمن البلاد وتقضي عليها في المهد قبل أن يتمكن الإرهابيون من فعل شيء. يوضح مصدر أمني إيراني أن الأجهزة المختصّة، في إشارة إلى وزارة الأمن الإيرانية وجهاز الاستخبارات في الحرس الثوري (جهازين مستقلين)، تواكب تحرّكات التنظيم وتضعها تحت المراقبة التامة قبل عبورها للحدود وحتى لحظة إلقاء القبض عليها. ويضيف المصدر: في بعض العمليات الأمنية وصلت خلايا داعش إلى العاصمة طهران، كانت تحت المراقبة التامّة، إلا أن السماح لهذه الخليّة بالوصول إلى طهران كان لأسباب تنأى الجهات المختصّة عن كشفها.
إذاً، يبدو واضحاً من خلال مراجعة سريعة للهجمات الإرهابية التي وأدتها طهران في مهدها، أن الأراضي الإيرانية تقع في صلب استراتيجيّة تنظيم داعش الإرهابي، إلا أن الاقتدار الأمني الإيراني حال دون ذلك.
وأما عند الدخول في أسباب هذا الاقتدار الأمني الذي كبّل التنظيم الإرهابي قبل أن يصل إلى الحدود الإيرانيّة، تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:
أوّلاً: إن أحد أبرز أسباب فشل التنظيم الإرهابي في استهداف أراضي الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة تعود للاقتدار الأمني الذي كرّسته طهران منذ سنوات. فقد برزت قناعة لدى العديد من الخبراء الأمنيين حول تفّوق أجهرة الأمن الإيرانية على نظيراتها من الأجهزة الأمنيّة العالميّة رغم معارضة خبراء آخرين لهذه الرؤية الأمنيّة.
ثانياً: لم تقف طهران مكتوفة الأيدي من التمدّد الداعشي في العراق فقط وضعت الخط الأحمر على بعد 40 كلم من حدودها، وبالفعل عندما دخل التنظيم الإرهابي داخل الأراضي العراقيّة الكردية، تحرّكت طهران سريعاً مقدّمة الدعم للعراق، حتى أن اللواء قاسم سليماني قد حضر شخصياً إلى جبهات المواجهة الكردية مع تنظيم داعش الإرهابي في العام 2014.
ثالثاً: إن أحد أبرز أسباب الاقتدار الأمني لمختلف أجهزة الأمن الإيراني تعود للخبرات التي كرّستها هذه الأجهزة منذ بداية الثورة عام 1979. على الصعيد الداخلي، تمتلك الأجهزة الأمنية الإيرانية باعاً طويلاً في مواجهة زمرة المنافقين التي قتلت أكثر من 16000 مواطن إيراني، كما أن مواجهتها لحركة طالبان داخل العمق الأفغاني رفع من منسوب الاقتدار الأمني لطهران.
رابعاً: قد يقول قائل أن العديد من نفاط القوّة المذكورة أعلاه تمتلكها بعض الدول الكبرى التي تعرّضت لنيران داعش، إلا أنّه عند التدقيق في المشهد الإيراني الداخلي، فإضافةً إلى التعاون الشعبي مع الأجهزة الأمنيّة (هناك بعض محاولات داعش قد فشلت في العام الماضي بسبب اتصال هاتفي من أحد المواطنين الإيرانيين للأجهزة الأمنيّة المختصّة)، تعدُّ اللُّحمة الوطنيّة في إيران أحد أسباب الاقتدار في المواجهة و أن مسألة الوطن تعد أحد أبرز الخطوط الحمراء للشعب الإيراني.
خامساً: يعي الإيرانيون جيّداً أهميّة "نعمة" الأمن التي يتمتّعون بها، وبالتالي فشل التنظيم الإرهابي في تجنيد الإيرانيين. عندما تتحدّث مع أي مواطن إيراني يؤكد أن القدرة الأمنية هدفها دفاعي، حتى لا تأتي "زمرة منافقين" جديدة.
يبدو واضحاً أن الفشل الداعشي يعود إلى الاقتدار الأمني الإيراني، وليس عدم استهدافها من قبل داعش، كما يحاول أن يروّج له العديد من أعداء إيران، بصورة مباشرة أو غير مباشرة.