الوقت - رغم طفرة الدلائل التي تعزّز فرضية الصراع السعودي الإماراتي في عدن، إلا أن كثيرين لم يقتنعوا بذلك واضعين الأمر في سياق "الاتهام الحوثي(أنصار الله) الذي يهدف لإيجاد نوع من الشرخ في التحالف العربي".
لكن ما حصل مؤخراً بين قوات هادي كشف للجميع واقع العلاقة بين دول العدوان ومرتزقتها، ورسّخ حقيقة الصراع بين "الكبار" على حساب "الصغار" وفق ما أطلق عليه البعض.
التمرّد الذي قاده قائد وحدة أمن المطار المقدم صالح العميري على قرار تغييره من قبل هادي ليس وليدة الساعة، إنّما هو واقع قديم، لكن ما هو جديد اليوم انتقال الصراع بين أطراف العدوان من المرحلة السياسية إلى المرحلة العسكريّة. فدخول الإمارات على خط المواجهة وانفجار الوضع العسكري عبر غارات إماراتية استهدفت قوات هادي لدعم الأذرع الأمنية العسكرية الإماراتية، دفع بهادي للتهدئة والتوجّه سريعاً نحو الرياض للقاء وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد.
إذاً، لم يعد يختلف إثنان على واقع الخلاف، ولكن في حين يؤكد البعض أن أساس الخلاف هو سعودي إماراتي، يرى آخرون أن الأحداث الأخيرة لا تعكس صراعا سعوديا إماراتيا، بقدر ما يمكن اعتباره صراعاً داخلياً، انحازت الإمارات إلى أحد أطرافه بشكل علني، والسعودية إلى الطرف الآخر بشكل "شبه علني".
إن انتقال صراع النفوذ إلى شوارع مدينة عدن وقبلها مدينة تعز وذلك بعد المواجهات الأخيرة بين مليشيا حزب الإصلاح ومسلحي تنظيم "حماة العقيدة"، تؤكد عدم قدرة هادي على إدارة مطار صغير في المنطقة الجنوبيّة التي يسيطر عليها، وهنا تجدر الإشارة إلى جملة من النقاط، أبرزها:
أوّلاً: إن صراع السلطة بين دول العدوان ليس بالأمر الجديد، بل يعود لأيّام العدوان الأولى وقد وصل إلى مرحلة متقدّمة بعد عزل خالد بحاح (يوصف بأنه أحد رجالات بن زايد في اليمن) رئيس حكومة هادي بعد صراع علني مع الأخير ونجله، ناصر عبد ربه، قائد ألوية الحماية الرئاسية. يوضح أحدهم معلّقاً على هذا الصراع بالقول: قتلنا يوم قتل الثور الأبيض في إشارة إلى هيمنة السعودية على التحالف وعزل تلك القوات التي تدين بالولاء للإمارات عن المراكز الرئيسية، ومحاولة الزج بها في الخطوط الأماميّة.
ثانياً: تساءل البعض عن الغموض السعودي إزاء المواجهة الداميّة، ففي حين أن الرياض لا تريد أن تضحّي بورقة هادي حالياً لأسباب داخلية تارةً وإقليمية ودوليّة أخرى، لا تريد قطع شعرة معاوية مع الإمارات في المدينة الجنوبية باعتبار أن الأخيرة هي الحليف الأقوى للرياض في تحالف العدوان، إن لم يكن الوحيد فعلياً. بعبارة أخرى، ستحاول الرياض تفادي الصدام القائم والعمل على رأب الصدع دون إخلاء الساحة للإمارات من ناحية، ودون عزل هادي من ناحية أخرى.
ثالثاً: يبدو أن السعودية التي دأبت على استضافة الحوار اليمني اليمني في خطوة تهدف لشرعنة العدوان ولکن قوبلت بالرفض من القوى الوطنية اليمنيّة، ستكون قريباً أمام حوار بين دول العدوان نفسها بعد القمّة الأخيرة التي ضمّت إلى جانب الأمير محمد بن سلمان، الأمير محمد بن زايد والرئيس المستقيل والمنتهية ولايته منصور هادي.
رابعاً: اعتبر مسؤول في الرئاسة اليمنية تدخل الإمارات ضد قرارات رئيس الجمهورية (المستقيل) في عدن بـ"التطور الخطير"، إلا أن ما هو أخطر من ذلك للشعب اليمني عدم قدرة من ينصّب نفسه رئيساً على البلاد بدعم خارجي، عدم قدرته في السيطرة على مرفق بسيط في مدينة جنوبيّة، فكيف الحال بسيطرته على الجمهورية اليمنية. هادي الذي لا يملك السيطرة على ضابط برتبة مقدّم في مرتزقته، فكيف بسيطرته على أصحاب الرتب العالية، فضلاً عن اليمن بأسره؟
خامساً: ما يجب الالتفات إليه، أن نتائج العدوان السعودي لم تقتصر على استهداف اليمنيين وضرب البنى التحتيّة فحسب، إنما شكل العدوان فرصة ذهبية لتنظيم القاعدة الذي تنامى خطره أربعة أضعاف منذ بدء السعودية حربها على اليمن، وفق موقع "ذي إنترسبت" الأمريكي المبني على تقارير وزارة الخارجية الأمريكية.
يبدو أن المشهد اليمني عموماً، وجنوب اليمن على وجه الخصوص، يعيش حالة من الترقّب التي تنتظر تسوية سعودية إماراتية لا نستبعد أن يكون هادي ضحيّتها، عاجلاً أم آجلاً، وبين هذا وذاك يبقى الشعب اليمني هو الضحيّة.