الوقت- على الرغم من فضح علاقة مدارس "غولن" عدو اردوغان اللدود مع الدول الغربية، يتكلم البعض عن ضرورة إحياء هذه المدارس التي "تعدّها أنقرة بؤر للإرهاب" في قرغيزستان.
ولو عدنا بالذاكرة لحوالي 25 عاما أي عند انهيار الإتحاد السوفييتي في العام 1991، لتجلّى لنا مدى الجهود التي بذلتها العديد من المنظمات التركية ومن بينها كيان "فتح الله غولن" لوراثة الدول الضعيفة المشرذمة عن الإتحاد السابق، والتي اختارت منظمة غولن أو "الكيان الموازي" نسبة لما تطلقه عليها أنقرة مقرا لها في قرغيزستان، لتمارس منها أنشطتها من خلال المؤسسات التعليمية التي عملت على تأسيسها بعد هذا التاريخ.
والأمر الذي سهّل المهمة على منظمة غولن هو سوء الأحوال الاقتصادية في منطقة القوقاز ودول آسيا الوسطى التي تمخَضت عن إنهيار الاتحاد السوفييتي، ما أسفر عن انهيار مؤسسات تلك الدول المبعثرة لاسيما التعليم منها وتفاقم حالة التضخم والبطالة فيها، علاوة على استقلال الجامعات عن الحكومات المنهكة اقتصاديا بهدف الحفاظ على نفسها.
ومع كل ماذكرناه آنفا، لابد من تضييق مجال بحثنا هذا ليحوط أسلوب مؤسسات غولن التعليمية التوسعي الذي بدأ بالتفشي في ثمانينيات القرن الماضي.
الخطوة الاولى من قرغيزستان
وضع "فتح الله غولن" خطوته الأولى لتحقيق مشروعه التوسعي في قرغيزستان التي اتخذ منها مقرا لمنظمته، فمنذ أن استقل هذا البلد عن الاتحاد السوفيتي في العام 1991، بدأت تمارس منظمة غولن أنشطتها منها، من خلال المؤسسات التعليمية التي عملت على تأسيسها بعد هذا التاريخ.
وتغلغل كيان غولن في قرغيزستان بشكل كبير ومنظم، عبر مؤسسات من قبيل "سيبات - Sebat" التعليمية الدولية، والتي حصدت توقيع اتفاقية تعاون مع وزارة التعليم القرغيزية في العام 1992، الأمر الذي منحها الحق بافتتاح مدارس لها في البلاد.
وبعد أن تم التوقيع على الاتفاقية المذكورة سابقا، سارع غولن لافتتاح أولى مدارس منظمته الثانوية المخصصة للذكور، مستغلا الأزمات في هذا البلد المستقل حديثا عن السوفييت، والقواسم الثقافية المشتركة بين تركيا وقرغيزستان لاسيما اللغة التي يتكلم بها غالبية مواطني هذا البلد.
عنكبوت الكيان الموازي
وتوسعت نشاطات المنظمة في افتتاح المدارس وسكن الطلاب، واستمرار الفعاليات التعليمية، ليصل العدد حاليا إلى 9 مدارس ابتدائية ومتوسطة، و16 ثانوية، ومدرستين دوليتين باسم "طريق الحرير"، و"كامبريدج"، وجامعة دولية باسم "أتاتورك ألاتو".
يتلقى التعليم في مثل مدارس مؤسسات "سيبات" كل عام نحو 10 آلاف طالب، فيما يعمل المتخرجون من هذه المدارس، على إنشاء مختلف الجمعيات، وإدارتها، إضافة الى ذلك تعمل المنظمة على طباعة الكتب والمجلات، وتنظيم المؤتمرات بشكل مستمر.
وتعتمد منظمة غولن في قرغيزستان على جذب الطلاب من خلال منح التعليم المجاني للمتفوقين، وهو ما رفع من قيمة ممتلكاتها في قرغيستان إلى أكثر من 100 مليون دولار، ويعمل في مؤسساتها نحو 2200 شخص.
في العام الماضي على سبيل المثال، وضعت منظمة غولن حجر الأساس لمبنى كبير في أهم شوارع العاصمة القرغيزية بشكيك، وهو شارع "ماناس" الذي يصل إلى القصر الجمهوري، مقابل السفارة الأمريكية، حيث يتم إنشاء مجمع فخم هناك. ناهيك عن توظيف المتخرجين حديثا من مدارسها وبشكل فوري في مختلف المؤسسات الحكومية، كما تعمل في المجال الإعلامي، منها إصدار صحيفة "زمان قرغيزستان".
الملفت في الأمر أن هذه المنظمة التي تعدّ قوة موازية لحكومات عديدة من ضمنها حكومة قرغيزستان، وتتجاهل باستمرار تحذيرات حكومة اردوغان المتواصلة التي تعمل على ملاحقة هذا الكيان الأشبه بشبكة عنكبوتية علقت في شباكها عدّة حكومات آسيوية.
ويقيم الهارب "غولن" في امريكا منذ العام 1998- ويذكر أن عناصره تغلغلوا في أجهزة الدولة التركية بشكل عميق، لا سيما في الشرطة، والقضاء، والجيش، والمؤسسات التعليمية، بهدف السيطرة على مفاصل الدولة، الأمر الذي برز بشكل واضح من خلال المحاولة الإنقلابية الفاشلة في تركيا خلال العام 2016.
وأما بعد.. يدعو البعض في قرغيزستان الى ضرورة إحياء هذه المدارس لاسيما من الناحية الايديولوجية، والسؤال الذي يبقى مطروحا، ماهو الدافع لهذه الدعوات؟ هل هو من أجل خدمة ذلك البلد أم طعنا بظهره؟.