الوقت - في خطوة مفاجئة آثارت العديد من إشارات الأستفهام لدى المراقبين الإقليميين، قام الرئيس اللبناني ميشيل عون بزيارة إلى السعودية على رأس وفدٍ وزاري بعد قطيعةٍ دامت أكثر من عامين بسبب مواقف الأخيرة من ملفات المنطقة وخاصة الملف السوري الشائك إذ أن اللهجة اللبنانية لم تتناغم مع الإدارة السعودية، و أدى ذلك التوتر إلى تجميد السعودية للهبة المالية التي تقدمها للجيش اللبناني و التي تقدر بنحو 3 مليارات دولار.
يعتقد البعض أن زيارة الرئيس عون للسعودية شكلية فيما يرى آخرون أن عون والذي كان معروفاً لسنوات طويلة أنه أحد أقوى حلفاء حزب الله من الجانب المسيحي أما الآن فهو رئيس جمهورية و بالتالي شخصية تمثل كل اللبنانيين مما يجعله يغلِّب المصلحة الوطنية. أما لماذا كانت السعودية هي الوجهة الأولى للرئيس عون فيقول مراقبون أن هذا أمر طبيعي جدا إذ أن أول دعوة تلقاها الرئيس عون كانت من الملك السعودي و لم يكن من عون إلا أن لبّى النداء لعل و عسى أن تدخل العلاقات بين السعودية و لبنان مرحلة جديدة، وكان عون قد تسلم الدعوة عن طريق خالد الفيصل الذي زار لبنان حاملاً رسالتين هنأه في الأولى على إنتخابه كرئيس للجمهورية اللبنانية بعد أن بقى منصب الرئاسة اللبنانية فارغاً لسنوات و دعاه في الثانية إلى زيارة السعودية.
أما أهمية هذه الزيارة تكمن في عدة نقاط و محاور، منها أن أكثر من ربع مليون لبناني يعمل في الدول الخليجية بشكل عام و في السعودية بشكل خاص هؤلاء كانوا يراقبون بحذر التصعيد السياسي بين السعودية و لبنان لما يعود عليهم بنتائج وخيمة من ناحية فقدان عملهم أو الظروف والتحديات التي يواجهوها في ظل ذلك التصعيد، هنا لابدّ لنا من الإشارة أن تبعات القطيعة بين السعودية و لبنان ليست فقط على المستوى الشخصي للمواطنين اللبنانيين الذين يعملون في السعودية و إنما ينعكس ذلك أيضأ على الوضع الاقتصادي اللبناني بشكل عام إذ أن كثيراً من الدخل الاقتصادي اللبناني يرتبط بذلك.
كانت الزيارة يوم الإثنين وكان من المقرر بعدها أن يتجه عون إلى قطر ثم مصر، و كان الجانب السعودي في هذه الزيارة قد وجه اسئلة و انتقادات عديدة فيما يخص تدخل حزب الله في الشؤون السورية جاءت تلك الانتقادات على لسان عبد الله الجبير والذي رد عليه نظيره اللبناني جبران باسيل بأنه في مضمار الأزمة السورية يوجد الكثير من الأطراف و التشابكات و التداخلات، كما شدد الرئيس عون بدوره على ضرورة حل المسألة السورية سياسياً وأن الوقت قد حان لعودة اللاجئين السوريين إلى المناطق الآمنة في سورية نظراً لما يعانيه هؤلاء من ظروف معيشية صعبة لافتًا إلى ما ألحقه موضوع اللاجئين من ضغوط على لبنان.
كما طرح الرئيس اللبناني موضوع الهبة المالية السعودية للجيش اللبناني مؤكداً على ضرورة تلقي الجيش اللبناني المساعدات العسكرية و اللوجستية في ظل الظروف و التحديات التي يواجهها لبنان و الشبكات الإرهابية التي تم التعامل معها من قبل الجيش اللبناني على الرغم من الإمكانات المحدودة المتوفرة لديه أما لم يتم البت في مسألة الهبة حتى الآن فربما تعود تلك الهبة و لكن بمبالغ أقل مما كانت عليه قبل تعليقها من الجانب السعودي و ذلك حسب مراقبون معنيون بالوضع الاقتصادي السعودي و الأزمة الأقتصادية التي تمر بها السعودية، في حين أنه تم الأتفاق على تعيين سفير سعودي جديد في لبنان بالإضافة إلى بدء العمل بموضوع عودة الرحلات المدنية السعودية إلى مطار بيروت الدولي و ذلك بأسرع وقت بالإضافة إلى العديد من الأمور الأخرى التي كانت معلقة بين البلدين.
أما عن موقف حزب الله من زيارة الرئيس إلى السعودية فلابد لنا من الإشارة إلى أن الحزب و على الرغم من نظرة السعودية السلبية والحاقدة لحركته المقاومة إلا أن الحزب ينظر إلى وطنه بعين الوطنية ولم ولن يكون عائقاً أمام انفتاح لبنان على أي من دول المنطقة و العالم خاصة في ظل الظروف التي شهدها لبنان فهو عامل قوة و ليس عامل تجزئة و تفرقة.
إذاً فتحت كلاً من السعودية و لبنان صفحة جديدة في تاريخ العلاقات فهل فعلاً ستعود المياه إلى مجاريها بين البلدين أم أن هذ الانفراج في العلاقات الثنائية مؤقت؟