الوقت - في الوقت الذي تشهد فيه تركيا أوضاعاً سياسيّةً وأمنيّةً مضطربة، لاسيّما بعد الهجمات الإرهابيّة الأخيرة التي تسببت بتراجع الليرة التركية بنسبة 18%، باشر البرلمان التركي الإثنين مناقشة مشروع التعديل الدستوري الذي يهدف إلى توسيع صلاحيات الرئيس رجب طيب أردوغان، تمهيدا لإقراره بعدما وافقت عليه لجنة برلمانية، وسط معارضة شديدة من بعض القوى البرلمانية.
الجلسة البرلمانيّة تمّت على وقع مظاهرة نظمها معارضون لمشروع التعديل الدستوري أمام مبنى البرلمان في أنقرة، إلا أن قوة من جهاز مكافحة الشغب عمدت إلى استخدام الغاز المسيل للدموع ومدافع الماء لتفريق التجمع الذي ضم نوابا من حزب الشعوب الجمهوري وحقوقيين.
التعديل الدستوري
وينص مشروع التعديل الدستوري الجديد على نقل السلطة التنفيذية من رئيس الحكومة إلى رئيس الدولة، كما يتيح للرئيس أردوغان المنتخب رئيسا عام 2014 البقاء في السلطة حتى 2029 بعد ثلاث ولايات على رأس الحكومة (2003-2014).
وفي حال إقرار التعديل، لن يضطر الرئيس إلى قطع روابطه بحزبه السياسي عند انتخابه، وستشمل صلاحياته تعيين الوزراء وإقالتهم، وسيكون له نائب رئيس أو أكثر، كما سيكون بوسعه إصدار مراسيم.
وينبغي أن يحصل التعديل الدستوري على موافقة 330 نائبا على الأقل من اصل 550 من أجل طرحه في استفتاء شعبي.
لكن حال تمكن المقترح من الحصول على موافقة 367 نائبا (ثلثي الأعضاء) أو أكثر، فتتم إحالته لرئيس البلاد، ويصبح نافذًا بعد مصادقة الأخير عليه، أما إذا رفضه فيتم اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي.
ويملك حزب العدالة والتنمية الحاكم، وحزب الحركة القومية (يمين متطرف) الذي يدعم التعديل، معا 355 نائبا في البرلمان.
ويتعين بعد ذلك تنظيم الاستفتاء بعد 60 يوما من تصويت البرلمان أي في نهاية آذار/مارس أو بداية نيسان/أبريل 2017.
وفي حال إقرار النظام الرئاسي، فستكون هذه سابقة في الجمهورية التركية التي تعتمد حاليا دستورا يعود إلى ما بعد الانقلاب العسكري في 1980.
وستجري مناقشة النص الذي أقرته لجنة برلمانية قبيل نهاية عام 2016 على مرحلتين في الجمعية العامة للبرلمان، في آلية تستغرق 15 يوما، وفق وكالة أنباء الأناضول.
جدل برلماني وشعبي
كثيرة هي الانتقادات على القانون الجديد الذي أثار جدلاً واسعاً بين الكتل النيابية والمواطنين ومغردون على مواقع التواصل يتداولون الخبر بالرفض والاستهجان، فيما عبر آخرون عن ترحيبهم، من ضمنهم حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى جانب حزب الحركة القومية، في حين عارضه حزبا الشعب الجمهوري والشعوب الديموقراطي اللذان يتهمان أردوغان باغتنام حالة الطوارئ المفروضة في البلاد لتغيير النظام السياسي فيه.
وقد انتقد معارضوه أردوغان ونزعته السلطوية، متهمين إياه بسلوك منحى استبدادي وخاصة منذ محاولة الانقلاب الأخيرة في 15 تموز/يوليو الماضي وحملة التطهير المكثفة التي تلتها. وقال نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري بولنت تزجان إن التعديل سيعيد إلى "القصر" الصلاحيات التي جرد منها السلطان العثماني قبل قرن.
وأضاف: إن ذلك سيعني "حل كل ما أنجزته جمهوريتنا"، مؤكدا ان مشروع التعديل الدستوري يفتح الطريق لـ"ديكتاتورية رجل واحد".
وفي حين اعتبرت العديد من القوى السياسيّة التعديلات الدستورية، محاولة لتكريس المزيد من السلطات في يد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والانتقال لـ"حكم الفرد"، كشف نائب رئيس الوزراء التركي محمد شمشيق، اليوم الاثنين، عن اعتزام حكومته إجراء استفتاء على تغيير نظام الحكم إلى النظام الرئاسي في شهر أبريل المقبل.
رسائل المعارضين
رسائل عدّة تحملها المعارضة الواسعة للتعديلات المقترحة، وبصرف النظر عن إقرار القانون من عدمه، تحمل الأصوات البرلمانية المعارضة، والشعبية المحتشدة خارج البرلمان جملة من الرسائل إلى أردوغان:
أولاً: تزيد هذه التعديلات من طينة الرئيس التركي بلّةً، ففي ظل وجود العديد من الأعداء والمخالفين للرئيس أردوغان في الداخل والخارج، يعزّز المقترح الجديد من ضعف الجبهة الداخلية التي سيقبض أردوغان عليها بعد إقرار القانون في ظل حالة الطورائ وأوضاع أمنية هشّة.
ثانياً: رغم أن إقرار القانون سيجعل من الرئيس التركي سلطاناً مبسوط "اليدين"، إلا أن هذا يزيد من التهديدات الداخلية في بلد الانقلابات، فهل أردوغان قادر اليوم على مواجهة انقلاب عسكري جديد؟ التاريخ يحكي عشرات الانقلابات الناجحة تلت الانقلابات الفاشلة الذي زادت من "ديكتاتورية" السلطة الحاكمة مولّدة الانفجار، فهل سيحصل هذا في تركيا؟
ثالثاً: إن هذه التظاهرات تتزامن أيضاً مع سجن الآلاف من المواطنين إثر الانقلاب الفاشل، فضلاً عن تسجيل الليرة التركيّة هبوطاً قياسيّاً وانهدام الموسم السياحي في البلاد، ما يعني أن تركيا تسير نحو أوضاع لا تحسد عليها، فهل سيقلب السحر على الساحر؟
لطالما اعتدنا على ازدواجيّة الرئيس التركي، الذي يعلن دعمه لفلسطين من جهة ويتعاون مع الكيان الإسرائيلي من جهة أخرى، يعلن دعمه للحل السياسي في سوريا من ناحية، ويدعم الجماعات المسلّحة من ناحية أخرى، ولكن نسأل: لماذا يعترض الرئيس أردوغان على بقاء الرئيس الأسد المنتخب شعبياً في منصبه، وها هو يعدّل الدستور لتوسيع صلاحياته عبر قانون مفصّل على مقاسه؟
تبقى الكلمة الفصل للشعب التركي في حال أقر البرلمان القانون، ولكن هل سيستعين الرئيس أردوغان بقانون الطوارئ على شعبه كما استعان به على القانون نفسه؟