الوقت- حول محاولة الإنقلاب في تركيا و ما ترتب عليه من تداعيات و بين الأسباب و من يقف خلفه كان لنا حوار مع المحلل السياسي و الخبير في الشؤون الإقليمية الدكتور "محسن صالح"، و الذي جاء فيه:
الوقت: بعد نفي غولان علاقته بمحاولة الإنقلاب التي حدثت في تركيا، برأيكم من يقف وراء هذه المحاولة و ما الدوافع و الأسباب التي دفعتهم لهكذا خطوة جريئة؟
الدكتور محسن: "من المرجح أن هناك امتعاض كبير من السياسات التي اتبعها نظام رجب طيب أردوغان و التي طالت تركيا على الصعيد الإجتماعي و الإقتصادي و طبعاً مع الدول المجاورة، فلم تنعم تركيا منذ وصول أردوغان للسلطة بحالة من السلام و الطمأنينية لا مع الشعوب و لا الدول المحيطة بتركيا، ما يدل على فشل السياسات التي كان يتبعها أردوغان، و بالتالي الجيش التركي هو من كان يتلقى الضربات من جرّاء ذلك، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع الأكراد و فيما يتعلق بسوريا و الحدود معها و يرى أن التفجيرات التي تحصل في تركيا تضر بسلامة و أمن الشعب التركي و الجيش هو أول المسؤولين عنها، و بالتالي هذا هو الدافع الأساسي وراء هذه المحاولة الإنقلابية إلى جانب عوامل جانبية أخرى."
الوقت: هناك علامات استفهام عديدة حول كيفية القيام بهذا الإنقلاب اذ لم يتبع الخطوات الكلاسيكية من إلقاء القبض على رجالات السلطة الحالية أو وضعهم تحت الإقامة الجبرية حتى، و لم يضع يده على وسائل الإعلام، و حتى انه لم يقطع الإنترنت و بالتالي وسائل التواصل كافة، ما تفسيركم لهذا؟
الدكتور محسن: "بإعتقادي ان ما حصل هو حالة احتجاج اكثر من كونها حالة انقلاب، لكونها ليست منظمة بالشكل الذي يؤدي إلى تغير جذري في السلطة. احتجاج يقول للشارع و المجتمع التركي اضافة للقيادات العسكرية و الاقتصادية بأن الوضع بهذا المستوى لا يمكن ان يستمر بما يضمن سلامة و وحدة و استقرار الوضع في تركيا، من هنا كانت هذه الحالة الاحتجاجية وصلت الى المجتمع التركي، و طبعاً الدولة أكثر تنظيماً الآن اذ قامت الدولة بخطوات كثيرة تقلص من قدرة الجيش على القيام بانقلاب يغير حالة النظام في تركيا، لذلك من المرجح انها مجرد حالة احتجاجية من قبل قطاعين أساسين من الجيش التركي و هم مجرد جزء من الجيش و ليس الجيش بأكمله، إذ بدا واضحاً أن القوى الامنية لم يكن لديها اي علم ما دفعها للوقوف بجانب النظام، و هذا يشير أن الحركة التي قامت مجرد احتجاج لا اكثر من جماعة علمانية قيل انها تحمل شعارات و ثقافة اتاتورك، عدا ان الواضح الآن هو غير ذلك."
الوقت: هل برأيكم ان للإجتماع الروسي الأمريكي المطول في اليوم الذي سبق الإنقلاب له علاقة بما حدث في تركيا؟
الدكتور محسن: "في الحقيقة التفت الى هذا الأمر، و لكن برأيي لو كان الروس و الامريكيين وراء الأمر فهم قادرون على تنظيم عمل اكثر دقّة مما حصل، فما حصل هو مجرد عمل هواة لا متمرسين في السياسة و الإنقلابات وكيفية حصولها، خاصة ان معظم المرافق و المؤسسات الحساسة لم يتم لا السيطرة عليها و لا حتى الذهاب إليها كم أشرتم في سؤالكم السابق و لم يعتقل أحد من الرؤوس الكبيرة في السلطة او يوضع في الإقامة الجبرية أو حتى يعزل في مكان بعيد عن قدرته في التأثير في سير الأحداث."
الوقت: و لكن الموقف الامريكي كان ضبابياً بعض الشيء بداية الانقلاب و لم يتضح إلا بعد اتضاح صورة فشله، لذا اعتبر البعض ان الامريكيين يريدون مجرد "فركة أذن" أو تحذير أردوغان لتماديه في سياساته و استدارته الأخيرة خصوصاً، ما رأيكم؟
الدكتور محسن: " النظام التركي لم يغير سياساته و لم يتجه لا نحو روسيا او سوريا فهو أطلسي حتى و إن أعاد العلاقات مع روسيا فذلك ليس محبة بروسيا أو بسياساتها، و لكن إدارة اوباما لم تكن راضية عن أردوغان و الأخير كان لديه مشاكل مع الأوروبيين و مع العرب و مع مصر أكبر دولة عربية و مع حركات المقاومة ايضاً حتى أنه لم يكن على اتفاق تام مع السعودية، كانت قطر التي لا تملك تأثيراً على السياسات العربية تملك علاقات جيدة مع تركيا و تستطيع أن تغطي النظام التركي، لذا ليس من المستبعد ان يكون العالم بأسره ارتاح و شمت بما أسميته "فركة أذن"، اذ ان استقرار تركيا و المنطقة بات على المحك بسبب السياسات الخرقاء التي اتبعها أردوغان، و الآن بمجيء رئيس وزراء جديد هم يحاولون تدارك الامر و لكن حال ما يتراجعون سيكون هذا دليل ارتباك، الأمر الذي أعطى نافذة و ربما يعطي نافذة مستقبلاً للعسكر او أي طرف أخر للقيام بانقلاب جديد في تركيا."
الوقت: ما هي تداعيات ما جرى على الداخل التركي؟
الدكتور محسن: "من الواضح أن صورة النظام التركي قد اهتزّت، رغم نزول البعض الى الشارع و مساندة بعض عناصر حزب التنمية و العدالة، و لكن بالمجمل صورة أردوغان اهتزت و ذلك سيؤثر على قوة هذه الشخصية الرئاسية و خاصة فيما بعد لنرى مسألة تعديل الدستور و النظام الرئاسي التي حاول أردوغان ان يهيىء لها بجلب رئيس وزراء جديد، و طبعاً ربما مواقف جديدة قد تحصل على صعيد الإقليم بالنسبة للعراق و سوريا و في العلاقة مع الأوروبين، إلا اني اعتقد ان المشاكل الاساسية التي أدت إلى الإعتراض على أردوغان هي ذاتها، و هذه الشخصية التي أرادت ان تحي السلطنة العثمانية وصلت إلى طريق مسدود و لن تفلح لا في تركيا و لا على صعيد المحيط و العلاقات مع الخارج."
الوقت: و لكن البعض يتحدث عن أن قوة اردوغان ستكبر بعد هذا الإنقلاب و سيظهر كالمخلّص للبلاد من الفتنة و سيبطش بمعارضيه و سيفعل ما يشاء في هيكلية الجيش و في سياساته الخارجية أيضاً و لديه المبرر لذلك، ما رأيكم؟
الدكتور محسن: " اذا ما فعل ذلك ستتحول تركيا إلى ديكتاتورية جديدة، و هذا لا في صالح اردوغان و لا حزب التنمية و العدالة، و حتى لو أنه انتقم و أصبح أقوى فذلك للحظة سياسية و سيرتد عليه لاحقاً، فالشعب لن يستسيغ ذلك مطولاً."