الوقت- لم يعد النزاع اللفظي بين قادة تنظيمي "القاعدة" و"داعش" الإرهابيين أمراً جديداً، فقد بدأت هذه النزاعات منذ اعتراض زعيم القاعدة "أيمن الظواهري" على المدعو "أبو بكر البغدادي" بإعلان الوحدة بين ما يسمى "دولة العراق الإسلامية" و"جبهة نصرة أهل الشام في سوريا" تحت مُسمى "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" والذي عرف اختصاراً فيما بعد باسم "داعش".
وكان الظواهري يؤكد دوماً على ضرورة أن يقتصر نشاط "داعش" على العراق فقط، الأمر الذي لم يرق لزعيم هذا التنظيم "البغدادي" الذي أعلن في رسالة صوتية بثت على الإنترنت معارضته لطلب الظواهري.
وقبل أيام انتشر شريط فيديو على مواقع الإنترنت يؤكد اعتراض الظواهري مجدداً على ما يسمى "دولة الخلافة" التي أعلنها البغدادي في حزيران/يونيو 2014 .
وجاء هذا الاعتراض في وقت يتعرض فيه "داعش" لهزائم منكرة في العراق وسوريا، ورغم أن هذا التنظيم كان يعاني منذ بداية نشأته من النقص والضعف، لكن الهزائم المستمرة والمتوالية التي لحقت به في الآونة الأخيرة أظهرت ضعفه بشكل أكبر، الأمر الذي يعزز فرضية أن تنظيم القاعدة يعد خطة جديدة لمواجهة تطورات الأحداث في سوريا والعراق بعد هزيمة "داعش" بشكل كامل.
ويمكن تلخيص ابرز ما جاء في كلام الظواهري في ثلاثة أبعاد رئيسية:
1 – التأكيد على رفض "دولة الخلافة" التي أعلنها البغدادي، حيث يقول الظواهري ما نصه "إن البيعة بالقوة لا تعتبر خلافة، وإن اختيار الخليفة يمكن أن يتم فقط بموافقة الشعب المسلم، ومصادرة السلطة بالقوة وبحد السيف هو جريمة ضد العقيدة الإسلامية".
وأضاف الظواهري: "إن البغدادي انتهك كل قواعد الجهاد وتحول مقاتلوه إلى طريق الجحيم لا الجنة". وتابع "إن البغدادي سفك الدماء وهاجم الشعب المسلم من أجل أن يحكم، وكانت نتائج خلافته التفجيرات والأضرار والدمار".
وشدد الظواهري كذلك على ضرورة "الامتناع عن إيذاء المسلمين وكل من تحرم الشريعة العدوان عليهم بتفجير أو قتل أو خطف أو إتلاف مال أو ممتلكات"، متناسياً حجم الدماء التي أريقت والأرواح المسلمة البريئة التي أزهقت في عمليات "القاعدة" على مدار السنوات الماضية. وقال الظواهري أيضاً إن البغدادي يعمل على تشويه صورة القاعدة بالكذب والافتراء.
وسبق للظواهري الذي استلم قيادة القاعدة بعد مقتل مؤسس التنظيم "أسامة بن لادن" في عملية للقوات الخاصة الأمريكية في باكستان عام 2011 أن قال للبغدادي: "أنا أميرك"، ووصفه بـ"جندي القاعدة المتمرد".
ويرى خبراء أنه ومنذ مقتل بن لادن وجد تنظيم القاعدة نفسه مضطراً للتأقلم مع غياب زعيمه وبروز "داعش" الذي بات يتصدر التهديد الإرهابي في المنطقة والعالم.
وفي نيسان/أبريل عام 2013 تفجر خلاف بين البغدادي وزعيم "جبهة النصرة" أبو محمد الجولاني، وتحول إلى صراع شامل تدخل به الظواهري ووقف بكل ثقله إلى جانب "النصرة".
2 - لايختلف اثنان على وجود خلفية فكرية واحدة لتنظيمي القاعدة وداعش ، لكن هناك تنافس ومواجهة بين الطرفين في المجالات المختلفة حيث يعاني القاعدة من تأثير نشاطات داعش ويشعر بضيق بسبب استهدافه من قبل هذا التنظيم.
وبرز التنافس بشكل واضح بين الجانبين على استقطاب مقاتلين إلى صفوفهما بالإضافة إلى تنافسهما على الدعم المالي والتسليحي الذي تقدمه لهما العديد من الدول الغربية والإقليمية. وتسعى القاعدة إلى تقوية فرعها في سوريا "جبهة النصرة" بانتظار هزيمة "داعش" بشكل كامل كي تسيطر على باقي الفصائل الإرهابية التي تنشط في هذا البلد وكذلك الجماعات التكفيرية الأصغر التي تنتشر في أرجاء الشرق الأوسط.
3 - يفكر زعماء القاعدة بالانتقال إلى سوريا والاستقرار في المناطق التي تسيطر عليها "جبهة النصرة" في هذا البلد بعد أن تحولت أفغانستان وباكستان إلى مكان غير آمن بالنسبة لهم بسبب هجمات قوات حلف شمال الأطلسي "الناتو" التي تستهدف مقراتهم ومواقعهم في هذين البلدين خصوصاً وإن إسلام آباد باتت تتعرض لضغوط من قبل واشنطن من أجل التعاون معها في كشف وضرب هذه المقرات.
وتجدر الإشارة إلى أن نشاط "القاعدة" اقتصر خلال الأعوام الأخيرة على هجمات محدودة وتعزيز نفوذه في بعض أرجاء اليمن وسوريا، فيما حقق "داعش" مكاسب ميدانية وتبنى هجمات دامية في دول عدة، قبل أن يخسر كثيراً من الأراضي التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق في حزيران/يونيو 2014.