الوقت- سقط الرهان على حلب، وكذلك كافّة المساعي لتدويل الأزمة السورية عبر الخاصرة الحلبية. خرج المسلّحون وأعلنها الجيش منطقة محرّرة لتصبح الأنظار شاخصة اليوم إلى المحطة التالية التي سيستقر فيها جنود الجيش السوري والحلفاء.
الباب, غرب حلب, إدلب, تدمر, الرقّة, دير الزور, دمشق وريفها ودرعا محطّات عدّة قد يفتح الجيش صفحتها من جديد بغية نقلها إلى السجل الجديد الذي نفض عن نفسه غبار أكثر من 5 سنوات من المعانات التي أودت بحياة مئات الألاف وهجّرت الملايين.
جبهات مختلفة
للريف الغربي في حلب بريقه الخاص، ولمدينة الباب الأمر ذاته ولإدلب رمزها وصعوبتها بسبب الحشد التكفيري كونها وجهة التكفيريين وقبلتهم، وكذلك تدمر التي سقطت في أيادي تنظيم داعش الإرهابي للمرّة الثانية على التوالي، فضلاً عن درعا التي أُشعل فيه فتيل الأزمة، والرقّة معقل تنظيم داعش الإرهابي. إلا أن كل هذا لا يلغي أهميّة العاصمة وريفها لجعلها منطقة خالية من الجماعات التكفيرية، وبالتالي فتحها أمام الزوار العرب والغربيين بعد سقوط مشروع إسقاط سوريا.
يبدو أن الجيش السوري وضع العاصمة دمشق وريفها في صدر القائمة بعد سيطرته على حلب وتحقيق نصر استراتيجي بالغ الأهمية أسقط هدف إسقاط النظام في سوريا.
ربّما يأخذ الجيش أكثر من وجهة، إلا أن معركة ريف دمشق قد فُتحت حيث يواصل الجيش السوري عملياته العسكرية في قرى وادي بردى بريف دمشق الغربي لليوم الرابع على التوالي بعد رفض المسلحين المتواجدين في المنطقة اتفاق التسوية وخروج مسلحي "النصرة" من القرى باتجاه إدلب، مهدّدين بتدمير نبع عين الفيجة الذي يغذي دمشق بالمياه.
في الحقيقة هناك سعي سوري لاستعادة الوادي الذي يعدّ مصدراً رئيسيا لمياه الشرب التي تغذي دمشق، وبالتالي سحب أحد أوراق القوّة من أيادي الجماعات المسلّحة التي تستخدمها في الضغط على الجيش السوري. وبالفعل، نقلت وكالة الأنباء الألمانية عن مصدر في الجيش السوري أمس الأحد أن "تعزيزات عسكرية إضافية وصلت منطقة وادي بردى بغية تكثيف العملية العسكرية". وأوضح المصدر أن "التعزيزات الجديدة شملت مقاتلين جددا وراجمات صواريخ ومدافع متوسطة ورشاشات ثقيلة، وذلك لبدء المرحلة الثانية من العملية العسكرية في قرى وادي بردى إثر رفض المسلحين اتفاق التسوية". المشهد الميداني يؤكد الحقيقة نفسها فقد سيطر الجيش السوري بشكل كامل على وادي "بسيمة" ومجمع "كفتارو" وعدد من الأبنية التي يتحصن بها إرهابيو جبهة النصرة على أطراف بلدة "بسيمة"، في حين تحدّثت مصادر ميدانية عن حالات هروب فردية لعدد من مسلحي النصرة من بلدة "عين الفيجة" باتجاه منطقة "دير قانون" تزامنا مع منع المدنيين من الخروج باتجاه مدينة دمشق.
الدلالات الميدانية تشير إلى أن الجيش السوري بات يستخدم أساليب جديدة في الحرب على الجماعات والتنظيمات المسلحة، عبر فتح عشرات الجبهات سواء على الجبهة نفسها، كما حصل في حلب، أو في عدّة جبهات بغية تشتيت الجماعات التكفيرية وخلخلتها، وكذلك منعها من تركيز جنودها على جبهة دون أخرى. على سبيل المثال، خلال اشتعال وطيس الحرب في حلب، حقّق الجيش السوري انتصارات عدّة في دمشق، لكنّها نجمها لم يسطع بسبب "معركة حلب الكبرى". منها الدرخبية وخان الشيح مباشرة بعد انتهاء تسوية داريا، حيث تم تحرير الدرخبية والبدء بمرحلة الضغط على خان الشيح الأمر الذي أجبر مسلحي خان الشيح وزاكية والطيبة والمقيليبة على الدخول في تسوية شملت بلدة كناكر الواقعة على مقربة من مثلث محافظات ريف دمشق والقنيطرة ودرعا.
لا شكّ في أن معركة حلب وضعت الأزمة السوريّة على مفترق طريق يريده أعداء سوريا لتحقيق المزيد من الدمار والقتل، في حين تريده دمشق لإعادة البلاد إلى ما قبل 2011، ورغم أن هذا الانتصار لن يُنهي الحرب في سوريا، إلا أنّه يحدّد اتجاه مسيرة سوريا خلال المرحلة القادمة حيث ستعمد الجماعات التكفيرية، كما في حلب، إلى الاختلاط بالأهالي ومنعهم من الخروج بغية تعقيد مهمّة الجيش السوري وحلفائه، وبالتالي الحؤول دون تحقيق نصر مماثل لنصر حلب.
لا نعتقد أن تقتصر جبهات الجيش السوري على دمشق وريفه، بل ستفتح جبهات عدّة بالتوازي مع تحرير العاصمة ومياهها المغصوبة في القلمون الغربي، والتي تشكّل ورقة ابتزاز للجيش والدولة السورية، خاصّة أن مصدر مسؤول في مؤسسة مياه دمشق أوضح أن "المسلحين في عين الفيجة قاموا بسكب المازوت والمواد السائلة ضمن خط مياه عين الفيجة المتجه إلى دمشق, وعلى الفور قامت المؤسسة بالتخلص من المياه المتلوثة قبل اختلاطها بالاحتياط المائي للعاصمة".