الوقت - هناك سعي غير مسبوق لتدويل الملف اليمني. فالمبعوث الأممي لليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد أكّد أن لجنة التهدئة والتنسيق قررت التحضير لتفعيل وقف إطلاق النار باليمن، طالباً من اللجنة الرباعية أن تسمح له بالقيام بجولات مكوكية بين الأطراف على أساس التوافقات التي حصلت في الكويت.
ويأتي كلام ولد الشيخ الذي تحدّث عن قرار "لجنة التهدئة والتنسيق" التحضير لتفعيل وقف إطلاق النار باليمن، في اجتماع بالأردن، يأتي في سياق زيارة وزير الخارجيّة الأمريكي جون كيري الذي أعاد وضع شروط الرياض نفسها التي تم طرحها في مفاوضات الكويت، الأمر الذي يؤكد نيّة واشنطن إنهاء الحرب وفق شروطها، أو أن يبقى الوضع على حاله، وهو ما لا تريده واشنطن اليوم.
بالتوازي مع التصعيد السياسي هناك تصعيد ميداني يهدف لتغيير المعادلة القائمة منذ سنوات فقد تناقلت العديد من وسائل الإعلام التابعة للرياض أخباراً عن تقدّم عسكري لقوات هادي في فرضة نهم، حاول تعزيزه الرئيس المستقيل هادي عبر الزيارة التي أجراها مع رئيس حكومته دغر وعدد من المستشارين والوزراء إلى مدينة المكلا عاصمة حضرموت وهي الأولى لهادي إلى المدينة منذ توليه الرئاسة في العام 2012. إلا أن هذه الادعاءات الميدانية، دحضتها وسائل الإعلام المقابلة التي تحدّثت عن "مقتل نحو 100 مسلح من ميليشيا الفار عبد ربه هادي قتلوا في معارك مع الجيش واللجان الشعبية اندلعت ليل السبت وفجر الاثنين في مناطق متفرقة بمديرية نهم بالضواحي الشمالية الشرقية للعاصمة صنعاء".
وتوضح المصادر أنّ من بين القتلى قائد اللواء 72 العميد محمد العذري والذي قضى في مواجهات عنيفة اندلعت ليل السبت، إضافة إلى مقتل وإصابة 40 عنصراً من مسلحي ميليشيا هادي برصاص قنّاصة الجيش واللجان خلال محاولة زحفهم باتجاه تلة النهدين في منطقة القَتَب، وبالتزامن مع إحباط محاولة تقدم مماثلة لقوات هادي باتجاه منطقة بني بارِق فجر الأحد.
عوداً على بدء، ورغم أن قواعد السياسة تُرسم على أساس الميدان، كما حصل في حلب، إلا أن الواقع مختلف في المشهد اليمني حيث هناك سعي إقليمي ودولي، لفرض شروط السياسة على الميدان عبر التحضير لتفعيل ورقة الحل الأمني والسياسي، بغية التحضير لتفعيل وقف إطلاق النار.
لا شكّ أن هناك أهدافاً أمريكية من وراء الزيارة، وكذلك اجتماع الأردن، حيث يسعى كيري لتحقيق إنتصار وإنجاز بعض أهداف إدارته في الملف اليمني، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً: هناك أطراف إقليميّة ودوليّة عدّة دخلت على خط الملفّ اليمني، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة مثل الكويت، السعودية، الإمارات، سلطنة عمان، بريطانياً وأمريكا. وتدويل الملف اليمني زاد من الإجماع الدولي على فرض مقرّرات الأمم المتحدة على مختلف الأطراف اليمنيّة.
ثانياً: كما هو الحال في العديد من الملفات الإقليمية، هناك سعي من الإدارة الأمريكية لتسجيل بعض الإنجازات في سجلّاتها التي ستغلق بعد أيّام. كما فعلت أمريكا في مجلس الأمن من خلال عدم استخدام حق النقض "الفيتو" لصالح الکيان الإسرائيلي، تريد واشنطن أن تسجّل نقطة نجاح في سجل الديموقراطيين إلا أنّها لم تفلح حتّى الساعة، لذلك يبدو أن السعودية تنتظر ردّة فعل الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب.
ثالثاً: أسئلة عدّة تطرح نفسه اليوم حول واقعية الطرح السياسي الذي يتزامن مع تصعيد ميداني غير مسبوق، فهل من يسعى للحل السياسي يسمح بتصعيد العدوان على كافّة الجبهات؟ تجدر الإشارة إلى أن كل زيارة للإدارة الأمريكية إلى السعودية يتضمنّها تصعيد سياسي، يليها تصعيد ميداني، وهذا ما شاهدناه بعد زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى العاصمة الرياض في شهر ابريل من العام 2016م، وكذلك زيارة وزير الخارجيّة جون كيري في شهر أغسطس/آب الماضي حيث تلاها تحريك الورقة الاقتصادية عبر قرار نقل البنك المركزي من قبل هادي إلى عدن، إضافةً إلى جملة من الزحوفات الميدانيّة الفاشلة.
رابعاً: عطفاً على ما سبق، تأتي زيارة كيري اليوم إلى الرياض تزامناً مع فتح جبهة جديدة في صعدة التي ستشكل تحولا كبيرا في سير المعركة حسب وصف إعلام العدوان، وكذلك استكمال الاستعدادات والتحضيرات لما أسموها معركة تحرير تعز وباب المندب، فضلاً عن المعارك القائمة في مأرب والجوف وفرضة نهم التي تشهد معارك طاحنة.
خامساً: طرح ولد الشيخ في مبادرته عزل الرئيس المستقيل هادي، وتعيين نائب للرئيس توافقي يشرف على تشكيل حكومة جدية في غضون شهر. العديد من الأطراف الدولية تلقّت هذا الطرح بعين الرضا عدا السعودية وهادي ما أدّى إلى وقف إطلاق النار ونسف المفاوضات.
يبدو أن أحد أبرز أهداف كيري من زيارته إلى السعوديّة السعي لإقناع الرياض بخريطة ولد الشيخ. وقد حاول كيري في جلسته الأخيرة تدويل الأزمة اليمنية وإدخال الطرف البريطاني ليحل محل أمريكا في حال قرّر الرئيس ترامب الانسحاب من الملف اليمني.
إن المرحلة الحالية هي الأكثر ضبابية في ظل الغموض السياسي الذي سينقشع مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض الشهر القادم، ولذلك تسعى السعودية للضغط السياسي عبر الإنسحاب نحو أطراف دوليّة جديدة، والضغط العسكري عبر رفع مستوى الزخم الميداني.