الوقت- لأول مرة في التاريخ الأمريكي، يُصبح الإعلام الأمريكي أداةً لتصوير حجم القلق الذي تعيشه واشنطن رسمياً وشعبياً على الصعيدين الدولي والمحلي. فالواقع الدولي الذي كان يُصوّر أمريكا كدولةٍ تتربع على عرش القرار العالمي لم يعد موجوداً. في حين تتخبَّط الساحة الأمريكية، بتصورات العهد الجديد. فبعد نجاح دونالد ترامب ووصوله الى سدة الرئاسة، ينتظر العالم تغيُّرات حتمية للسياسة الأمريكية. الأمر الذي يمكن لِحاظه من خلال سياسات واشنطن والتي لجأت لها منذ فترة، فيما يخص الجانب الإقتصادي، وأثر ذلك على سياستها الدولية. فيما يبقى الحديث عن فوضى ترامب في إدارته للواقع الداخلي، أمراً يُشبه إدارة الشركات القابضة وليس إدارة الشأن السياسي. فلماذا تعيش واشنطن قلقاً كبيراً، على أبواب العهد الأمريكي الجديد؟
أهداف دونالد ترامب الإستراتيجية العامة
بحسب ما نقل أغلب الإعلام الأمريكي، يمكن وضع أهداف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ضمن الخطوط العريضة التالية:
أولاً: العمل على مواجهة الوضع الإقتصادي والمالي والإجتماعي الصعب الذي تعيشه أمريكا منذ عام 2008 نتيجة الأزمة المالية العالمية، وذلك عبر سياسات إقتصادية تعتمد على العولمة لحماية الإقتصاد المحلي.
ثانياً: العمل على تخفيف النفقات العسكرية الخارجية لأمريكا. وذلك من خلال دفع الدول التي تتواجد فيها القوات والقواعد الأمريكية لتحمُّل نفقات التواجد العسكري الأمريكي.
ثالثاً: العمل على إيجاد صيغة للتعاون مع روسيا لدفعها بعيداً عن العلاقة مع الصين وإيران. أو محاولة احتواء قوة تعاظم هذه الدول عبر إيجاد معادلات قوة جديدة.
أمريكا واللجوء لخيارات إقتصادية إستثنائية
بعد أزمة 2008 المالية، قررت واشنطن الرضوخ للعديد من الخيارات التي تتناقض مع نظامها الرأسمالي. فقامت بعدة إجراءات كان لها أثر على الصعيدين الدولي والمحلي. فيما خرج الحديث العلني عن هذه الإجراءات خلال العامين الماضيين. يمكن ذكر أهمها في التالي:
أولاً: قامت بتأميم أصول الشركات والمؤسسات الخاصة التي أفلست نتيجة الأزمة المالية، مما حمَّل خزينة الدولة تكاليف باهظة.
ثانياً: قلَّصت من حجم الإنفاق العسكري، وخصَّصت بعض ميزانياته لحل مشكلات الإقتصاد المحلي وإعادة تحريك عجلة الركود الإقتصادي.
ثالثاً: خفَّضت أمريكا من مساهمتها في المؤسسات والمنظمات الدولية، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وصناديق الأمم المتحدة في الدول الحليفة لها. حيث عادت واستخدمت هذه الأموال في دعم سياسات الإقتصاد المحلي.
الآثار الإستراتيجية لهذه السياسات
أثرت هذه السياسات على النفوذ الأمريكي دولياً. وهو ما سيُساهم في تراجع الدورالأمريكي فيما يخص القرار الدولي. فيما ستكون النتائج على الشكل التالي:
النتيجة الأولى: ارتفاع عدد الدول المناهضة للسياسة الأمريكية. مما سيجعل السياسة الدولية لواشنطن تقع أمام تحديات وصعوبات في فرض خياراتها على الصعيد الدولي.
النتيجة الثانية: خلق مراكز مالية دولية خارج العباءة الأمريكية بعد خفض أمريكا لمساهماتها المالية. وهو ما سيُزيل مع الوقت مرجعية البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وسيُساهم في تقليص السيطرة الأمريكية على القرار الإقتصادي العالمي. مما سيُساعد دول البريكس - على سبيل المثال - على فرض شراكة في القرار الإقتصادي الدولي.
النتيجة الثالثة: هي النتيجة الحتمية للنتائج السابقة. حيث سيتراجع دور واشنطن على الصعيد السياسي الدولي. خصوصاً بعد تراجع أسباب قوتها عسكرياً ومالياً.
العهد الجديد: إدارة البلاد بعقلية تجارية!
على الصعيد المحلي، خرج الإعلام الأمريكي ليتحدث بكثير من القلق، حول سياسات ترامب المتوقعة خصوصاً بعد اختياره للعديد من الأسماء المثيرة للجدل فيما يخص إدارة الشأن السياسي الداخلي. وهنا أهم ما ذكره الأعلام الأمريكي حول عيوب العهد الجديد:
أولاً: تتمتَّع أغلب الأسماء التي طرحها ترامب بالنقص في الخبرة الكافية لتولي مسؤوليات حساسة على مستوى الدولة الأمريكية. حيث لا يمتلك أغلب هؤلاء خبرة في إدارة الشأن العام، بل يمتلكون فقط خبرة في إدارة القطاع الخاص.
ثانياً: يبدو وبحسب الإعلام الأمريكي أن ترامب يُدير الشأن العام الأمريكي وكأنه يُدير شركاته الخاصة أي بعقلية التجارة والأعمال وليس بعقلية الدولة. وهو ما سينعكس على الأشخاص الذين تم اختيارهم وعلى قراراتهم الإستراتيجية.
فمثلاً، يتخوَّف الشارع الأمريكي من تولي "ريكس تيليرسون" وزارة الخارجية وهو من الشخصيات المُقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. في حين يتولى تيليرسون أيضاً مسؤولية المدير التنفيذي لشركة "اكسون موبيل" العملاقة. ولم يسلم "ريك بيري" الذي سيتولى منصب وزير الطاقة من الإنتقاد الإعلامي خصوصاً أنه دعا سابقاً لإلغاء هذه الوزارة.
إذن تعيش أمريكا واقعاً يمكن القول أنه استكمال للمسار الذي بدأ مع الإنتخابات الأمريكية. مسارٌ صادمٌ فضح هشاشة النظام الأمريكي في ظل الصعوبات المحلية والدولية. فيما يبدو واضحاً أن السياسة الأمريكية باتت في موقع ردة الفعل وليس الفعل. حيث أن الكثير من القرارات الدولية، باتت رهن الوضع السياسي الدولي الجديد ومعادلاته المختلفة عن السابق. أما على الصعيد الداخلي، فتعيش أمريكا مرحلة الإنتقال من عقلية الدولة الى عقلية الشركة. وهو ما سينجح به ترامب حتماً. لهذه الأسباب خرج الإعلام الأمريكي ليستبِقَ العهد الجديد ويوضح لماذا تعيش واشنطن القلق!