الوقت - يلعب الأكراد دورا فعالا في المنطقة، ومن الطبيعي أن تنظر لهم روسيا بعين واحدة لما لهم من دور مهم في التأثير على مجريات الأحداث الساخنة في الشرق الأوسط.
موسكو اعتمدت في المعادلات الجديدة للمنطقة سياسة جذب الأكراد الى جهتها، وإشراكهم في أي مباحثات لإدراكها أهمية هذا اللاعب المحلّي في تحولات العراق وسوريا.
وتستغل روسيا الأكراد في تركيا خلافا للتوجه الأمريكي بهدف إضعاف أنقرة، في حين أنها في سوريا تتفق مع موقف واشنطن بدعم الأكراد مع اختلاف بسيط في وجهات النظر، بينما تقوم سياستها تجاه الأكراد في العراق على أساس الحدّ من أي تواصل سري مع كردستان العراق دون دراية بغداد، مما يعكس تفاوتا كبيرا مع موقف واشنطن الداعم لأكراد العراق والمشجّع لهم على الإنفصال عن العاصمة بغداد.
1- روسيا وأكراد تركيا
لا يمكننا تحليل نظرة موسكو لأكراد تركيا في إطار مختلف عن علاقات روسيا مع الحكومة التركية. ولابد لنا أن نرجع بالذاكرة قليلا، الى زمن الامبراطورية العثمانية التي ذابت كجبل من جليد بعد الحرب العالمية الثانية لتتقلص الى حجمها الراهن المسمّى تركيا، كانت لها حروب عديدة مع روسيا على مرّ التاريخ لذا ظلّ التنافس والعداء مخيّما على العلاقة بين هذين البلدين.
إلا أن أجواء الحرب الباردة كان لها تركيبتها المختلفة، حيث وقفت تركيا فيها الى جانب الغرب بشكل علني، وعدّت واشنطن أنقرة لاعبا أساسيا لاحتواء تمدد الإتحاد السوفييتي، علاوة على انضمام تركيا الى حلف الأطلسي (الناتو) مما فاقم العداء بينها وبين موسكو.
ولكن وضع انهيار الإتحاد السوفييتي حدّا لهذه الخصومات الباردة، ليفتتح البلدان فيما بعد عصرا جديدا من التعاون خصوصا في مجال الطاقة والتجارة.
وهذا ما جعل موسكو تنظر بقلق نحو دعم أكراد تركيا والإعتراف بهم من قبلها، الأمر الذي قد يؤدي الى تدني مستوى العلاقات مع أنقرة، ولهذا السبب أيضا لن تضحي بعلاقاتها مع تركيا من أجل الأكراد، وبناءا على ما أوردناه رفضت موسكو لجوء زعيم أكراد تركيا "عبد الله أوجلان" إليها.
2- روسيا وأكراد العراق
كانت لعلاقة الاتحاد السوفييتي مع عائلة البارزاني والتي تعد من أكثر العائلات الكردية تأثيرا وهيمنة في المنطقة جذور تاريخية. وكان من أكثر الحوادث الكردية شهرة في ذلك العصر "هروب مصطفى البارزاني الى الإتحاد السوفييتي بعد فشل إحداث جمهورية مهاباد"، وعلى الرغم من هذا، ظلّت نظرة روسيا للأكراد مليئة بالمكونات الروسيّة خالية من التطلعات والمتطلبات الكردية.
ولو افترضنا أن يكون أهم محاور السياسة الخارجية الروسية في الشرق الأوسط "مواجهة النفوذ الأمريكي في هذه المنطقة"، فمن الطبيعي أن تعلن روسيا موقفها المختلف لمشاريع واشنطن في خلق نظام جديد في المنطقة. وعلى هذا الأساس رفضت موسكو مشروع انفصال كردستان العراق عن بغداد وإعلانها دولة مستقلة، الأمر الذي بات واضحا في تصريحات كبار السياسيين الروس.
في العام 2015 أجرت قناة "KNN" التابعة لإقليم كردستان العراق المعروفة بـ الجهاز الرسمي لحركة التغيير (غوران)، مقابلة في برنامج "لقاء خاص" مع القنصل الروسي في أربيل "يوغيني ارشنتسيو" بحثت معه أوضاع المسائل الراهنة في إقليم كردستان العراق والعلاقات بين أربيل وموسكو. حيث قال القنصل الروسي في هذا اللقاء بأنه يتم تبادل وجهات النظر بشكل دائم بين موسكو وأربيل، وفي الآونة الأخيرة أرسلت روسيا حزمة من المساعدات الى إقليم كردستان العراق، إلا أن القنصل لم يخف نيّة موسكو عدم التعامل مع البيشمركة (قوات إقليم كردستان) بشكل مباشر، وقال بأن روسيا تعترف بالعراق دولة واحدة، والأسلحة التي بعثتها موسكو الى العراق وصل جزء منها الى إقليم كردستان أيضا ليتم من خلالها مواجهة تنظيم داعش الإرهابي.
3- روسيا وأكراد سوريا
أما عن أكراد سوريا فلم يكن لهم دور فعّال في المعادلات السياسية لهذا البلد قبل اشتعال الحرب في العام 2011. إلا أن هذه الأزمة منحت الأكراد فرصة كبيرة لإثبات وجودهم في هذه المنطقة، كما نال الأكراد أهمية أصحاب القرار في موسكو الذين رأوا وجوب منح الأكراد دوراً هاماً في الحكومة المستقبلية للدولة السورية، رغم أن روسيا هي الداعم الأساسي لحكومة دمشق الراهنة التي تعارض انفصال أي جزء من الأراضي السورية عن العاصمة، بالإضافة الى قلق أنقرة الكبير من دور الأكراد في تحرير شمال سوريا من تنظيم داعش الإرهابي.