الوقت- بالرغم من أن العالم بأسره يتقاتل على الأرض السورية، يبدو أن سوريا بشار الأسد كانت أقوى من الجميع. وهنا يجري الحديث عن سر صمود الرئيس السوري، وسبب انهيار مراهنات اللاعبين الدوليين على الساحة السورية. فالجميع وضع هدف إسقاط بشار الأسد على رأس أولوياته. وأخذ الجميع يحشد الدعم ويتغنى بذلك، ويسترضي أطرافاً إقليمية ودولية، منتظراً إسقاط الرئيس السوري. لكن إيران هي الدولة الوحيدة التي راهنت على الرئيس السوري ودعمته، الى جانب روسيا وحزب الله اللبناني. وبالرغم من كل التحديات الصعبة، أصرت إيران على موقفها وتحدت العالم بأسره. وقادت محور الصمود في سوريا. فبقي بشار الأسد وسقط الجميع. فماذا في صمود الرئيس السوري؟ وما الأسباب والقراءة التحليلية له؟
أولاً: قراءةٌ واقعية لآخر المواقف من الأزمة السورية:
إعترف جون كيري وزير الخارجية الأمريكي بالواقع الجديد في سوريا. وفي مقابلته الأخيرة مع محطة تلفزيون "سي بي اس" الأمريكية قال كيري: "ان بلاده ستضطر في النهاية الى التفاوض مع نظام بشار الأسد من أجل الإنتقال السياسي. إنها الحقيقة التي قرر الأمريكي الإعتراف بها. ولكن المفارقة هي، في أن أدوات اللاعب الأمريكي كالسعودية وخلفها دول الخليج الفارسي، وتركيا الى جانبهم، مازالو مصرين على نكران هذه الحقيقة، بالرغم من أنها أصبحت ساطعةً في الميدان السياسي الإقليمي والدولي. وبالتالي فإن أمريكا اليوم قدمت تنازلاً في المواقف، يمكن وصفه بالنصر للرئيس السوري وجيشه وقاعدته الشعبية وحلفائه ومؤسسات حكمه، في توقيتٍ مثاليٍ تزامن مع دخول الأزمة السورية عامها الخامس.
ثانياً: قراءة تحليلية:
لا شك أن الموقف الأمريكي هو أحد المواقف من الأزمة السورية ليس أكثر. فهناك مواقف أخرى. لكن الحديث عن مواقف دول أخرى، كدول الخليج الفارسي وفي مقدمتها السعودية الى جانب الموقف التركي، لا يرقى لمستوى يستحق التداول بشأنه. فهؤلاء جميعاً أدواتٌ عند اللاعب الأمريكي، ولا نبالغ إن أضفنا لهم الدول الأوروبية. فالجميع هنا يعمل كما يريد الأمريكي، وإن ضمن سياسة تقاسم الأدوار. لذلك مجرد الإشارة الى الموقف الأمريكي، أمرٌ كافٍ للدلالة على التغيرات الحاصلة. وهنا لا بد من الإشارة الى بعض المسائل المتعلقة بصمود الرئيس السوري بشار الأسد:
- صمود الجيش السوري طوال السنوات الأربع الماضية، واتساع دائرة الحاضنة الشعبية للنظام داخل سوريا وخارجها بسبب اليأس من حسم الأمر لصالح المعارضة التي تبين أنها معارضة تكفيرية، وشعور البعض المعارض من الشعب السوري بتعرضه لخديعة كبرى من قبل أمريكا وحلفائها.
- القراءة الحكيمة والصحيحة لإيران وحزب الله اللبناني لملف الأزمة السورية، الى جانب الموقف الدولي الروسي الداعم، مما أدى الى إعطاء النظام السوري بشخص الرئيس بشار الاسد، دعماً خارجياً، الى جانب الدعم الشعبي الداخلي، مما منع سقوط النظام، وأبقى الرئيس الأسد قوياً في وجه التحديات.
- توصل اللاعب الأمريكي ودول غربية اخرى الى قناعة بأن البديل للنظام السوري في حال سقوطه سيكون الفوضى الدموية، والفراغ السياسي الذي سيملؤه الفكر التكفيري والجماعات الإسلامية المتشددة. وجاءت هذه القناعة بعد سقوط الأنظمة في البلدان العربية دون وجود بديلٍ يدير البلاد، كما حصل بعد سقوط النظام الليبي، وتدمير مؤسساته الأمنية والعسكرية والسياسية، والأخطار التي ترتبت على ذلك لعدم وجود البديل القوي الذي يمكن أن يملأ الفراغ.
- سعي واشنطن الى توقيع اتفاق نووي مع إيران، والإعتراف الأمريكي العلني بالدور الإيراني المتعاظم وأهمية إيران في المنطقة. مما يعني التوجه للرضوخ لرؤيتها السياسية والتعاون معها في مواجهة الإرهاب. وبالتالي فإن الاعتراف الأمريكي بإيران كقوة إقليمية كبرى، وازنة في المنطقة، ليس إلا دليلٌ آخر على نجاح السياسة الإيرانية وصدق رؤيتها الإستراتيجية.
- إن الفشل الأمريكي في قيادة التحالف لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، ساهم أيضاً في إظهار قوة الرئيس الأسد. فأمريكا التي نافقت في سياستها تجاه هذا التنظيم الإرهابي، تنظر الى إيران بأنها استطاعت مساعدة دولٍ كثيرة في المنطقة كلبنان وسوريا والعراق واليمن، مما انعكس قوةً في الموقف الإيراني الداعم لبقاء الرئيس الأسد.
إذاً، يعتبر اليوم الرئيس السوري بشار الأسد رمزاً للصمود والمقاومة في المنطقة. فإلى جانب ما يتمتع به الرجل من حكمة في التعاطي مع الملفات السياسية، وقفت الى جانبه محورالمقاومة الذي تحدي العالم بأسره، وراهن على صموده. فالمقاومة لا تبيع ولا تشتري كباقي الدول، بل تظل ثابتةً على موقفها. وبالتالي فإن بقاء الرئيس الأسد، يعتبر اليوم انتصاراً لمحورالمقاومة. فمبروكٌ لسوريا الأسد، ومبروكٌ لمحور المقاومة انتصاره الذي يصنع اليوم مجد الأمة وترسم خريطة المنطقة.