الوقت - إن تلاقي المصالح الإستراتيجية لإيران وروسيا في الأزمة الجيوسياسية لمنطقة غرب آسيا ومشهد التطورات في سوريا، قد وفر أرضيةً مناسبةً لبروز القواسم المشترکة بين البلدين في مواجهة التطورات الدولية ومنطقة غرب آسيا. رغم أن طهران وموسكو کان لهما في السنوات الأخيرة مواقف انتقادية مماثلة حيال التوجهات الأحادية من قبل أمريکا، توسع الناتو إلى الشرق، خطة نشر درع الدفاع الصاروخي في جمهورية التشيك وبولندا وثم في تركيا، الثورات الملونة في محيط روسيا، نشاط المؤسسات الثقافية والسياسية الغربية المنحى وتوسيع نطاق الأنشطة الاقتصادية في الغرب، وخاصةً في مجال الطاقة.
من هذه الزاوية، يجب اعتبار نظرة كلا البلدين حيال التطورات الراهنة في سوريا، في إطار المخاوف المشتركة تجاه توسيع دائرة نفوذ الغرب في منطقة غرب آسيا الإستراتيجية. فالروس يدركون جيداً أن الإطاحة بالنظام السياسي الحالي في سوريا، ستضع المنطقة كلها تحت هيمنة الغرب وخاصةً أمريكا، وهذا يعتبر خسارةً كبيرةً بالنسبة لروسيا التي تستعيد قوتها علی الساحة الدولية. کما أن إيران تنظر إلی سوريا بوصفها النقطة الإستراتيجية المهمة في محور المقاومة ضد الکيان الإسرائيلي والغرب في المنطقة. ومن هنا، فإن سقوط الحكومة الحالية ووصول حكومة موالية للغرب، لا يصب في صالح المصالح الإستراتيجية لروسيا وإيران علی الإطلاق.
في المجال السياسي، وقفت روسيا بشکل صارم ضد مطلب المحور الغربي- العربي-التركي والمتمثل في تغيير النظام في سوريا، واستخدمت حق النقض الفيتو ضد قرارات مجلس الأمن بشأن التطورات في سوريا. وفي المجال العسكري أيضاً، أرسلت روسيا حاملة طائرات الأميرال كوزنستوف – وعلی متنها 54 طائرة سو-33 المتقدمة، ميغ 29، طائرات هليكوبتر من طراز كا-27، أنظمة صواريخ وغواصات إلی الساحل السوري، إضافةً إلى تسليم نظام الصواريخ الباليستية "ياخونـت" في شكل منظومة الدفاع الساحلي "باستيون"، وهکذا فقد أثبتت لدمشق أنها على عكس التطورات في ليبيا، جادة جداً بشأن التطورات في سوريا.
من هنا، يمكن مقارنة نهج روسيا تجاه التطورات في سوريا من حيث مدی الحساسية ونوع وشدة ردود الفعل، مع نهج موسكو تجاه الأحداث في المناطقها المحيطة بها. وهو النهج الذي أدى إلى اتخاذها مواقف حازمة حيال توسيع حلف شمال الأطلسي نحو آسيا الوسطى والقوقاز، نشر درع الدفاع الصاروخي في شرق أوروبا، خطة عضوية جورجيا في حلف شمال الاطلسي والثورات الملونة في أوكرانيا وجورجيا وقيرغيزستان. کما بيَّن الروس في أغسطس 2008 أنهم سوف لن يترددوا في التدخل العسكري حفاظاً علی مصالحهم الإستراتيجية.
وتشير التحركات الروسية في سوريا إلى أن الأخيرة لها أهمية كبيرة جداً بالنسبة لروسيا، وإذا أرادت موسكو أن تترك سوريا، فيجب التخلي عن دورها في الشرق الأوسط إلى الأبد لصالح الغرب، وهو الأمر الذي يتناقض تماماً مع المصالح الكلية والإستراتيجية لموسكو. مخاوف الروس هذه تتفق بشکل کامل مع مخاوف إيران فيما يتعلق بالتطورات في الشرق الأوسط، لا سيما تنامي نفوذ الغرب وخطر تقويض سوريا مقابل الکيان الإسرائيلي. لكن القاسم المشترك الهام الآخر بين إيران وروسيا، هو الحفاظ على الدعم لنظام بشار الأسد جنباً إلى جنب مع الإصلاحات السياسية.
القلق المشترك الأخير لإيران وروسيا هو القلق إزاء صعود قوة المتطرفين الإسلاميين التابعين للتيارات السلفية والوهابية في سوريا. حيث تشكل هذه التيارات جزءاً مهماً من المعارضة السورية وتدعم بشکل کبير من قبل الدول العربية، وخاصةً السعودية. لقد ذاقت روسيا الطعم المرير للنهج السلفي والوهابي في شمال القوقاز وخاصةً الشيشان وأنغوشيا وداغستان، وإيران تدرك هي الأخری جيداً التوجهات المعادية لإيران والمعادية للشيعة لدی هذه التيارات. ومن هنا، فبالإضافة إلى المخاوف بشأن هيمنة التوجهات الموالية للغرب، تشعر کل من إيران وروسيا بالتهديد بسبب تزايد قوة التيارات السلفية والوهابية في سوريا، الأمر الذي كان مؤثراً جداً في تقارب مواقف البلدين. ونتيجة للتكامل بين إيران وروسيا في الأزمة السورية، يمكن أن تكون ذات أهمية كبيرة في تغيير خريطة التحالفات والقوی على المستوى الإقليمي، وکذلك في النتيجة النهائية للعبة الإستراتيجية بين القوات المتواجدة في المنطقة، وحتى إحداث تغييرات هيكلية في النظام الدولي.
في هذه الأوضاع السياسية المعقدة، يمكن للجهات الفاعلة الرئيسية ومن خلال التغيير في اصفطفاف القوی، عبر الائتلافات والتحالفات الإقليمية، تغيير التوازن لصالحها وضمان مصالحها الإستراتيجية. وبالنظر إلی ما تقدم، يبدو أن التكامل بين إيران وروسيا في الفترة الحالية، تعود جذوره إلی المصالح الاستراتيجية للبلدين، وعن طريق هذه الشراكة الاستراتيجية يمكنهما تحقيق مصالحهما الخاصة. وبالطبع هذه الشراكة الإستراتيجية في المجال الأمني، إذا ما استمرت وتوسعت لتشمل مجالات أخرى للتعاون، يمكن أن تضع حجر الأساس للتحالف الإستراتيجي بين البلدين، من أجل القيام بدورهما علی المستويين الإقليمي والدولي.