الوقت- لا يبدو في الأفق أي مؤشرٍ يوحي بحلٍ قريبٍ للإستحقاق الرئاسي في لبنان. فلبنان من دون رئيس للجمهورية، لليوم 292 يوما. هكذا يمكن إختصار الوضع المتعلق بالشأن الرئاسي اللبناني. فما هي آخر أخبار الإستحقاق الرئاسي؟ وما أسباب التأخر الحاصل؟
أولاً: الإستحقاق الرئاسي اللبناني:
سجّل مجلس النواب الأربعاء الجلسة العشرين التي يدعو إليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، والتي لم تختلف عن سابقاتها، فالنصاب القانوني الذي يسمح بانعقاد الجلسة وإجراء عملية الإقتراع لانتخاب رئيس للجمهورية لم يكتمل.
فبعض فريق 14 آذار يحضر الجلسات، فيما يصر فريق 8 آذار على أنهم لن يؤمّنوا النصاب سوى في حالة واحدة وهي التوافق على انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية. وبالتالي فإن عدد النواب الحاضرين لا يكفي لتأمين النصاب المحدد بثلثي عدد أعضاء المجلس البالغ 128 نائباً. فيما شهدت جلسة الأربعاء والتي لم تنعقد، مواقف أطلقها عدد من النواب، أبدوا تخوفاً من انهيار النظام اللبناني.
ثانياً: قراءة في أسباب التأخير الحاصل:
في الوقت الذي تتسارع فيه الأحداث في المنطقة، يعتبر لبنان أحد الدول التي تتأثر بنتائج هذه الأحداث. فالجغرافيا السياسية للبنان، بسبب موقعه، قد تجعل منه، ساحةً للصراعات الدولية. ولا شك أن لبنان كغيره من الدول في منطقة الشرق الأوسط، تنعكس عليه نتائج الصراعات الإقليمية الموجودة.
وهنا يأتي الحديث عن تأثير مسار التفاوض النووي بين طهران وواشنطن. فإيران اليوم وبسبب تعاظم دورها، ومكانتها في المنطقة، أصبحت الدولة التي يحسب لها الحساب في المنطقة. ولا شك أن التحليلات والأجواء التي تهيمن على الساحة السياسية اللبنانية، والتي مفادها أن ملف الإنتخابات الرئاسية اللبنانية لن يتحرك إلّا بعد التوصل إلى اتفاق نووي إيراني، قد يكون منطقياً. فقد أبدى رئيس مجلس النواب نبيه بري إعتقاده أن "لبننة الإستحقاق الرئاسي أصبحت متعذرة"، وأنه "صار لزاماً على اللبنانيين إنتظار الإتفاق النووي بين إيران وامريكا. فيما يتخوف بعض المحللين، من أن التوصل الى اتفاق نووي إيراني ربما لا تكون إنعكاساته فورية على موضوع الإنتخابات الرئاسية في لبنان. فهناك ملفات إقليمية عديدة عالقة. ويقول البعض أنه إذا لم يأتِ الإتفاق النووي في إطار تسوية إقليمية ترضي الدول المعنية بالشأن اللبناني، فلن يكون انعكاسه على لبنان انفراجاً في الملف الرئاسي. فيما يتحدث آخرون عن أن الإتفاق النووي سيكون إتفاقاً يزيد من نفوذ ودور إيران في ملفّات عديدة في المنطقة، ولبنان أحدها.
إلا أن الجميع على الساحة اللبنانية، مقتنعٌ أن الحلول في الملفات الحساسة اللبنانية، تأتي من الخارج. لكن هذه المرة يتحدث مراقبون للشأن السياسي الإستراتيجي، عن أن تعاظم دور إيران في المنطقة، سيكون له أثرٌ ايجابيٌ على الدول التي لإيران دورٌ فيها. والسبب في ذلك، حكمة السياسة الإيرانية، وقدرتها على التعاطي مع الملفات إنطلاقاً من مصلحة الأطراف السياسية الداخلية للدول، بالرغم من تعدُدها. ولبنان هو أحد هذه الدول التي ستلقى النتيجة نفسها. ولذلك يتحدث المراقبون بإيجابية عن أثر تعاظم الدور الإيراني، والذي يأتي نتيجة الفهم الصحيح والواقعي الإيراني، للصراعات والتوازنات الموجودة.
وفي انتظار هذه الحلول، تدور حوارات داخلية قد تساعد في تخفيف الإحتقان وفي تمرير الوقت بأقل الأضرار الممكنة. فحوار "حزب الله" و "تيار المستقبل"، أدى لتخفيف الإحتقان المذهبي من خلال إزالة الصور والشعارات من شوارع بيروت والتوافق على خطة أمنية للبقاع ومناطق أخرى. أما الحوار المسيحي - المسيحي بين "القوات اللبنانية" و "التيار الوطني الحر"، يعتبر أصعب من نظيره بين حزب الله وتيار المستقبل. ومن الصعب، التوصل خلاله الى توافق على قضايا تخص الشأن المسيحي. وفي مقدمتها الإنتخابات الرئاسية أو على اسم مرشح. في ظل الأسهم العالية للعماد ميشال عون والذي يدعمه حليفه الإستراتيجي حزب الله.
ومن هنا فإن الحلقة الأضعف في السياسة اللبنانية وهي ملف رئاسة الجمهورية، ستبقى في الفراغ الى أجلٍ غير مسمى. فطالما أن المسيحيين مختلفون في ما بينهم، مما يجعلهم عاجزين عن فرض رئيسهم على الآخرين. مما يجعل انتخاب الرئيس مهمة أصعب، في ظل انتظار تغير الموازين الإقليمية والمسارات السياسية التي سترسم التسويات.
إذاً، إنه الشأن اللبناني الذي كغيره من الملفات الأخرى، رهينة الأحداث الإقليمية. فهي ليست المرة الأولى التي يتأخر فيها الإستحقاق الرئاسي اللبناني. ولكن هنا يأتي السؤال الأبرز: الى متى سيطول الفراغ في الرئاسة اللبنانية؟ وهل سيكون لذلك أثرٌ على النظام اللبناني؟