الوقت- كرر أمين عام الجامعة العربية، نبيل العربي يوم الاثنين وخلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، الدعوة التي اطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بضرورة انشاء قوات عربية مشتركة لمواجهة الارهاب، وفقا لمعاهدة الدفاع العربي المشترك، دون ان يحدد ما هو الارهاب الذي يريدون مواجهته بالقوات النظامية .
ومع ان البعض اعتبر دعوة السيسي لانشاء هذه القوات انفعالا جاء على اثر مصرع 21 مصريا، ذبحا على يد "داعش" الارهابي في ليبيا، وبدفع من العمليات الارهابية التي يتعرض لها الجيش المصري في سيناء، والعمليات التفجيرية التي تشهدها العاصمة القاهرة وغيرها من مدن "المحروسة"، الا ان المشروع له اكثر من بعد اقليمي ..
لكن لماذا تدعو له مصر، وغيرها اكثر حاجة اليه لما للجيش المصري من عدة وعديد وخبرات، وفي نفس الوقت الذي تسعى فيه السعودية الى تحالف اوسع بنكهة طائفية يقتصر على الكبار (تركيا، باكستان، مصر وهي بالطبع).. فهل المشروع المصري المدعوم من الامارات يستهدف اجهاض المشروع السعودي ام العكس، وهل يعكس ذلك صراعا ضمنيا بين الامارات والسعودية او قطر والسعودية، من خلال تجريد الامارات من حليفتها (مصر) وقطر من حليفتها (تركيا).. ام انه مجرد تباين في وجهات النظر وتعبير عن تباين الاولويات؟
مع ان البعض يرى فيه استمرار لحقيقة التباينات العربية في كل شئ.. حتى وهم يتفقون !
ومع غياب وزير الخارجية القطري، خالد العطية، عن اجتماع الاثنين والاكتفاء بحضور مساعده للشؤون العربية، محمد الرميحي، وعدم مشاركة الامارات الخليجية في الاجتماعات التحضيرية على مستوى المندوبين، يظهر ان القوات المزمع انشاؤها ستولد عرجاء وبعملية قيصرية، وهو بالطبع توقعه الرئيس المصري عندما اكد قبل ذلك في قوله: بمن حضر !
اذاً، المشكلة الاولى التي ستواجهها هذه القوات، هي: الرؤية غير العروبية للسعودية والتجييش الطائفي الذي ترفضه مصر الى الآن، خاصة وان السعودية تريد اشراك تركيا حليفة الاخوان وقطر وعدوة مصر السيسي .
والثانية هي معزوفة الوتر القطري المنفردة دائما.. قطر التي استبقت الاحداث ووقعت تحالفا استراتيجيا مع تركيا ومعاهدة دفاع متبادل، بمعنى: لو تعرضت تركيا لعدوان فأن الجيوش القطرية ستهب للدفاع عنها.. او شئ من هذا القبيل !
واعتقد ان قطر وبهذا العمل ارادت ان تبعد تركيا عن المحور الذي تسعى اليه السعودية وبالتالي نسف مشروع التقارب التركي ـ المصري او على الاقل التأثير من خلال تركيا في التحالف السعودي مستقبلا ...
أما المشكلة الاساسية التي يواجهها مشروع القوات العربية المشتركة لمواجهة الارهاب، فهو في تعريف ومصاديق الارهاب التي تريد هذه القوات مواجهته.. ففي حين كانت معاهدة الدفاع العربي المشترك والتي لم تعمل بها الدول العربية، الا بشكل ناقص عام 1973 في حرب تشرين، واضحة وتستهدف العدو والارهاب الصهيوني، نجد ان مشروع القوات لا يحمل مثل هذا الاتفاق حتى على مستوى التنظير.. فلكل دولة عربية ولكل نظام داخل المنظومة العربية المشتة "عدو ارهابي" صاغته مخيلة الزعيم والحاكم ومنظومة الحكم ..
واذا كانت "داعش" ارهابية بالنسبة لكثير من الدول العربية، فأن بعضها لايزال يراهن عليها، بل يمدها بالسرّ والعلن معنوياً ومادياً، او يواجه من يحاربون "داعش" بشتى السبل والوسائل وكما هو واضح "صديق عدوي، عدوي!"، أما "الأرهابيون"الآخرون، كالاخوان المسلمين، النصرة، الحوثيين، حزب الله،الجيش الحر، جيش الاسلام، كتائب الثورة العشرين، حماس،النقشبندية، الجبهة الاسلامية، عصائب اهل الحق، لواء ابا الفضل العباس وغيرهم، فمختلف فيهم بين الانظمة حسب المحور الذي ينتمي اليه، البعض يعتبرهم ابطال وآخرون ارهابيون.. نعم الخليجيون وبالتحديد (السعودية والامارات والبحرين والكويت) متفقون على بعض الاسماء وهؤلاء لهم قواتهم واتفاقياتهم، فما الحاجة لقوات عربية مع وجود "درع الجزيرة" المشارك حالياً في قمع الثورة البحرينية والذي عجز خلال اكثر من ثلاثة عقود من انشاءه عن مواجهة 350 دبابة عراقية اجتاحت الكويت عام 1990في اقل من سبع ساعات !
فمن هو الارهاب الذي تستهدفه هذه القوات؟ !
"داعش".. وماذا بعد "داعش الارهابي" التي قد لاتطول نهايتها مع اصرار العراقيين والسوريين على الحسم، وان كان رئيس هيئة الاركان الاميركية (ديمسي) يسعى الى اطالة المعركة! هل هناك جزء غير مرئي في المشروع تريد مصر ومن يدفع بها نحوه، التستر عليه وعدم الكشف عنه؟
لنتكلم صراحة ... معاهدة الدفاع العربي المشترك، انتهت الى توقيع مصر معاهدة التسوية مع الكيان الاسرائيلي المحتل وتبعها بذلك الاردن في وادي عربة، بالمناسبة الأردن ايضاً من المتحمسين لمشروع القوات العربية المشتركة... اذاً هناك تهديد آخر يشعر به المهندسون للمشروع.. اميركا، لايمكن ان تكون، لأنها حاصنة الجميع وقبلتهم التي يتيممون شطرها صباحاً ومساءاً ..
تركيا..؟ ايضا مستبعدة، لأن الحرب معها يعني الحرب مع الناتو.. كما انها حليفة اغلبهم في اسخن الملفات، هم يقفون بجانبها في زعزعة أمن بلدين عربيين مهمين: سوريا والعراق .
لم يبق الّا الجمهورية الاسلامية الايرانية او عقدة بعض الانظمة الخليجية.. والتي يحاول بعض العرب من حلفاء امريكا تحويل بوصلة الأرهاب من الكيان الصهيوني والأمبريالية الأميركية نحوها، حتى لو كانت في خط المواجهة الأول مع من ذكرناهما و"داعش الارهابي" واخواتها !
وفي هذه المسألة عدة امور :
·لا تنظر اغلب الدول العربية الى ايران بأنها عدو، بالعكس تعتبر ايران داعماً قويا ومؤثراً للعديد من البلدان العربية، ومنها خليجية، للحد الذي يقال: ان المخابرات الايرانية كشفت قبل سنوات مؤامرة حاكها جهاز مخابرات نظام خليجي للأطاحة بآخر، لكن ايران حالت دون ذلك... ومن هذه البلدان التي ترتبط بعلاقات جيدة مع ايران: العراق، سوريا، لبنان، حكومة غزة، اليمن، السودان، الجزائر، تونس، موريتانيا، سلطنة عمان، الكويت وحتى قطر رغم الاختلافات في بعض الملفات .
·ماذا لو شاركت بعض الدول القريبة من ايران في القوات العربية المشتركة، هل ستمانع مصر والسعودية والامارات من اشراكها.. وهذه الدول لن تدخل في لعبة العدو الوهمي الذي تطبل له ابواق خليجية .
·لو ان ايران وقعت اتفاقاً نووياً مع أمريكا وانتهى "التهديد النووي" كما يقول اعداء ايران.. ماذا ستفعل هذه القوات، هل ستصر على استعداء ايران ام ستهرول بلدانها نحو طهران وهم يندبون يتمهم بتخلي اميركا عنهم؟ !
·قد يقول شخص انها ستواجه "الاحتلال" الايراني لبعض البلدان العربية، كما عبر سعود الفيصل وزير خارجية السعودية، والذي تحتل قوات مليكه( قواته ) ارض البحرين وتقمع غالبية شعبها الثائر منذ اكثر من اربع سنوات.. فهل يمكن ان يرشدونا على قاعدة عسكرية ايرانية في ارض عربية، او قوة ايرانية مقاتلة اين ما يتصورون؟
·ثم ما الذي ستضيفه القوات العربية المشتركة في توازن القوى الاقليمي تجاه ايران، وهذه الانظمة قد ارتمت منذ عقود في احضان الاميركيين والغرب، ففي احسن الحالات ليست سوى فيلق اميركي آخر بسحنة وملامح عربية في مواجهة ايران، كما كان الهنود يخدمون في الجيش البريطاني !
وهنا اشير الى مسألة يطبل لها الاعلام الخليجي مؤخراً وهي مسألة السلاح النووي السعودي.. واقول ما الذي ستغيره هذه القنبلة في ميزان القوى مع وجود مئات، بل آلاف القنابل الاميركية والغربية والصهيونية الموجهة ضد ايران.. ثم من قال للسعوديين ان السلاح النووي هو من يحسم المعركة؟ !
اعتقد ان هذا المشروع، ما هو الّا انفعالة خليجية ظهرت في فلتات لسان الرئيس المصري والذي من حقه ان يستغلها لتقوية بنية اقتصاده الضعيف ومده بالاموال الخليجية اكثر واكثر !
ونوع من التكرار الممل، حيث ان جميع هذه الدول مشاركة في التحالف الدولي ضد الارهاب الذي تقوده امريكا وبمشاركة اغلب دول الناتو من العجم والعرب !
والّا، فأيران هي اول الداعين لوحدة المسلمين (ومنهم العرب) ووحدة جميع المستضعفين في مواجهة قوى الشر الاستعمارية والصهيونية والتكفيرية والامام الخميني صاحب نداء جيش العشرين مليون لتحرير القدس.. وياليت العرب يبدأوا قواتهم المشتركة بطرد "داعش" من قلوب وعقول بعضهم، ويتوجوا ذلك بتحرير الأقصى المبارك وما حوله.. لكننا نخاف ان يستبدلوا بالصهاينة والتكفيريين كتائب القسام وشهداء الاقصى وسرايا القدس وحزب الله واللجان الشعبية وانصار الله، لتخلو الساحة من الاحرار ويصفى الجو للمرتهنين والعملاء والارهابيين ...
بقلم: علاء الرضائي