الوقت - في الفترة ما بين أواخر الخمسينات إلى أوائل السبعينات، کان الاتحاد السوفيتي السابق رائد بعض البلدان الاشتراكية والعربية التي كانت لها سياسة أقرب إلی الاتحاد السوفياتي السابق. وهذا الأمر کان مغايراً لموقف بعض الدول في المنطقة وخصوصاً البلدان التي لديها تاريخ حضاري وثقافي مثل العراق وسوريا ولبنان ومصر، والتي لم تکن ترحِّب کثيراً بالعلاقات مع دول العالم الرأسمالي مثل أمريكا.
في مصر، کان جمال عبد الناصر، الرئيس المصري القومي، عقبةً على طريق تحقيق الأحلام الأمريكية في هذا البلد دائماً، ثم جاء الدور لسوريا حافظ الأسد، الرئيس السوري الراحل، لتکون البلد العربي الوحيد الذي لديه علاقة خاصة مع إيران.
العلاقات التي أقامها الأسد مع طهران، حملت رسالةً مفادها أنه في المستقبل البعيد، سوف يأتي زمان تکون فيه إيران قريبةً من الحكومة والشعب السوري، أكثر من أي بلد آخر في المنطقة.
و بعد عودة روسيا إلى الساحة العالمية، وفرض نفسها باعتبارها القوة العالمية الثانية عبر البوابة السورية، أخذت فكرة إحياء قوة الكرملين السابقة تتشکِّل عند بوتين. حيث أدرك الرئيس الروسي أنه إذا لا يستطيع أن يکون محيي قوة بلاده السابقة في الساحة العالمية، ففي الحد الأدنی إن وجود بلدان مثل سوريا ومصر، سيخلق الظروف المناسبة التي توفِّر الأرضية لعودة الروس إلى الساحة الإقليمية.
ولإحياء هذه الفكرة، ركَّزت موسكو جهودها على زيادة وجودها في سوريا، وكان هذا المطلب مشروعاً حسب المعايير الدولية والتحالفات العالمية، کما کان مشروعاً بالنسبة لسوريا ومصر أيضاً.
قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة الحميميم الجوية في سوريا، واللتان أصبحتا قواعد روسية دائمة في سوريا، يمكن أن تكون المرحلة التمهيدية لجهود روسيا لبناء قاعدة بحرية في مصر، على الرغم من أن البعض يتحدَّثون عن توجّهات روسية نحو اليمن أيضاً، لتسجِّل موسكو عبر ذلك وجودها الفاعل في أهم المناطق البحرية للشرق الأوسط ومرکز العالم.
کما يتضح من المعلومات المنشورة حول إرسال موسكو حاملة طائراتها الأميرال كوزنيتسوف بکامل معداتها العسكرية إلی المياه السورية، لکي تتَّجه بعد انتهاء مهمتها، إلی سواحل مصر، بأن الخطة الإستراتيجية الروسية تنفَّذ بنجاح.
فمن الطبيعي أن تثير هذه الظروف مخاوف المحور الغربي، الذي کان لفترات طويلة يصول ويجول في المنطقة، دون مواجهة أي عقبةٍ تُذکر سوی سوريا وإيران وحركات المقاومة.
الظروف الحالية مواتية لعودة روسيا أكثر من أي وقت مضى، وقد تسبَّبت الأزمة السورية في أن تظهر روسيا مرة أخرى کقوة عالمية عظمی، وتواصل مصر تبادل الرسائل مع موسكو وصولاً إلى فتح أبوابها بشکل كامل أمام الروس.
کما بإمکان أنصار الله في اليمن الجريح، اعتبار روسيا فرصةً لتجهيز أنفسهم بأسلحة رادعة ضد السعودية المعتدية، وإذا حدث ذلك، فإن الرياض لا يسعها فعل شيء سوی تقديم شكاوى إلی الأمريكيين.