الوقت- المتتبع لسياسة تركيا تجاه الأوضاع في المنطقة لاسيّما فيما يتعلق بالعراق وسوريا واليمن يرى إنّ هذه السياسة تتطابق إلى حد كبير مع السياسة السعودية، وهذا الأمر ظهر بشكل جلي في المرحلة الراهنة من خلال المواقف التي إتخذتها أنقرة والرياض إزاء معركة تحرير الموصل من الجماعات الإرهابية لاسيّما تنظيم "داعش".
فقبل فترة أعلن الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" إنّه لا يعترف رسمياً بمعاهدة لوزان واصفاً هذه المعاهدة بأنها تمثل كارثة لبلاده.
ومن المعروف أن معاهدة لوزان ترسم الحدود بين تركيا والعراق وتركيا وسوريا إلاّ أن أردوغان صرّح بأنه لا يعترف بهذه الحدود ولهذا أرسل قواته إلى شمال سوريا وشمال العراق، وهو يسعى الآن إلى إقتطاع أجزاء من أراضي هذين البلدين بعد تحريرها من عصابات "داعش" رغم أن الجميع يعلم بأن حكومة أردوغان قد ساهمت في دعم هذا التنظيم الإرهابي ومكنته من إحتلال مدن ومناطق سورية وعراقية واسعة ومن بينها محافظة الموصل.
ويزعم أردوغان أنه يسعى للدفاع عن التركمان في العراق الذين ينقسمون إلى قسمين: 40 بالمئة منهم هم من السنّة، فيما يشكل الشيعة العلويون والبكتاش 60 بالمئة.
وعندما إحتلت "عصابات" داعش بالتنسيق مع عناصر حزب البعث المنحل في العراق وبدعم من تركيا عدداً من المدن العراقية بينها الموصل تعرض قسم من الشيعة التركمان إلى الإبادة وتم أسر الكثير من نسائهم من قبل هذه العصابات.
واضطر الكثير من التركمان إلى مغادرة مناطقهم صوب مدن وسط وجنوب العراق، وانضم الكثير من أبنائهم إلى صفوف الحشد الشعبي الذي يقاتل الجماعات الإرهابية وتمكن من تطهير الكثير من المدن من هذه الجماعات لاسيّما في محافظات ديالى والأنبار وصلاح الدين.
ويزعم أردوغان أن الموصل تتشكل من العرب السنّة فقط بالإضافة إلى أعداد قليلة من التركمان والأكراد، وهذه المزاعم تتناقض تماماً مع الحقائق التاريخية والواقع الديموغرافي لهذه المحافظة.
ويرفض أردوغان مشاركة الحشد الشعبي في عمليات تحرير الموصل، بذريعة أن ذلك قد يتسبب باندلاع حرب أهلية أو طائفية باعتبار أن الشيعة يشكلون النسبة الأكبر من الحشد ناسياً أو متناسياً أن الكثير من السنّة يشاركون أيضاً في الحشد.
كما يزعم أردوغان أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي كان قد طلب منه إرسال قوات تركية إلى قضاء بعشيقة شمال شرق الموصل، الأمر الذي رفضه العبادي، مؤكداً أنه طلب فقط تدريب الشرطة العراقية داخل الأراضي التركية ولم يطلب من أنقرة إرسال قوات إلى العراق.
ويرفض أردوغان سحب قوات بلاده من داخل الأراضي العراقية رغم طلب حكومة العبادي منه ذلك، ورغم الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي عمّت العراق والتي حذّرت أنقرة من مغبة بقاء هذه القوات ووصفتها بأنها قوات احتلال.
ووصل الأمر بأردوغان إلى التطاول على العبادي عندما وصفه بأنه ليس بمستواه الأمر الذي ردّ عليه العبادي بأن القوات العراقية هي التي ستحرر الموصل ولن يتم تحريرها عبر "السكايب" في إشارة إلى البرنامج الصوتي التصويري الذي إستخدمه أردوغان لتوجيه كلمة إلى الشعب التركي أثناء محاولة الانقلاب العسكرية الفاشلة التي تعرضت لها تركيا قبل نحو ثلاثة أشهر.
ويطالب أردوغان بإشراك قوات بلاده في عمليات تحرير الموصل إلى جانب قوات التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا، ويدعو كذلك إلى مشاركة ما يسمى "الحشد الوطني" التابع لمحافظ الموصل السابق أثيل النجيفي المتهم بالتخاذل وتسليم المحافظة إلى عصابات "داعش" في 10 حزيران/يونيو 2014.
ويسعى أردوغان من وراء هذه المزاعم والمطالب لتحقيق عدّة أهداف سياسية وأمنية بينها الإدعاء بأن الموصل تابعة إلى تركيا وهي من تقرر من يشارك في تحريرها وليس العراق، وتمهيد الأرضية لاقتطاع هذه المحافظة وضمّها إلى تركيا بعد تحريرها من "داعش".
ويعتقد المراقبون بأن تركيا إنتهجت في الآونة الأخيرة سياسة تهاجمية وعدائية ضد العراق فيما يتعلق بقضية تحرير الموصل، فيما يرى آخرون بأن الخلاف السياسي بين أنقرة وبغداد الذي إرتفعت وتيرته مؤخراً قد يؤدي إلى اندلاع حرب عسكرية بين الجانبين خصوصاً بعد تحذير قادة الحشد الشعبي ومن بينهم قائد منظمة بدر "هادي العامري" لأنقرة بضرورة الإسراع بسحب قواتها من العراق قبل أن يتم طردها باعتبارها قوات احتلال.
وتجدر الإشارة إلى أن تركيا أخذت تستعرض عضلاتها أمام العراق باعتبارها جزءاً من حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وتعتقد بأن أمريكا وباقي أعضاء الحلف سيقفون إلى جانبها في حال إندلاع حرب مع العراق متناسية أن الغرب لا يعرف غير مصالحه ولن يتقدم خطوة أو يتراجع ما لم يضمن تحقيق هذه المصالح، كما ينبغي على القيادة التركية أن لا تنسى إتهامها للإدارة الأمريكية بالتورط في المحاولة الانقلابية الأخيرة التي تعرضت لها تركيا. ومن الأفضل لأردوغان التصالح والتنسيق مع دول الجوار لحل أزمات المنطقة بعيداً عن تدخل القوى الأجنبية التي تسعى لتحقيق مشاريعها الاستعمارية الرامية إلى تمزيق دول المنطقة ونهب خيراتها والتحكم بمصير شعوبها في إطار ما يسمى "مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد" الذي تتزعمه أمريكا خدمة لمصالحها ومصالح الأطراف الحليفة لها وفي مقدمتها الكيان الإسرائيلي.