الوقت- تشهد منطقة الشرق الأوسط أزمات وصراعات سياسية خانقة في ظل تنامي تهديد تنظيم داعش الإرهابي، وإستمرار الحرب في سوريا والعراق وليبيا، ولكن يبقى الوضع في البلد الجار اليمن على رأس للسعودية خارجياً، لانها ومنذ عهد مؤسسها الملك عبد العزيز آل سعود تعتبر اليمن وأوضاعه خطا أحمر بالنسبة لها، ولا يمكن أن تسمح لأي قوة أن تخرج من "بيت الطاعة" السعودي، حتى وصل الحال لاعتبار أي عِزٍّ لليمن هوبمثابة الذل للسعودية، حسب مؤسس الدولة عبد العزيز.
سعت السعودية وعلى الدوام للحفاظ على شبكات نفوذها الداخلي في اليمن وذلك مع مختلف القوى، حيث كانت دائماً تتجاوز الحكومة المركزية، وتؤسس لعلاقاتٍ خاصة مع شيوخ العشائر والقبائل النافذين الذين شكلوا وعلى الدوام، قوى دعم وإسناد داخلي لها. لم يكن الود السعودي حباً منها للجارة اليمنية، بل لما يشكل موقع اليمن من نقطة استراتيجية لها، وبالتحديد الحدود الطويلة معه، وطمعاً بما يشكله مضيق باب المندب من موقعٍ استراتيجي أيضاً، واستمر نجاح هذه السياسة حتى ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس علي عبدالله صالح. السعودية لم تتحمل اي دور لـ"انصار الله" في الثورة التي شهدها اليمن، وهي التي حاولت اقصاءه منذ البداية في اطار "المبادرة الخليجية" ، لذلك وصمت الثورة اليمنية بـ"الطائفية" ، وسعت بكل قواها في اليمن وخارجه لضرب أنصار الله وعزله داخليا"ً ودولياً، وما هروب الرئيس اليمني المستقيل عبد ربه منصور هادي إلى عدن إلاّ أحد فصول المؤامرة السعودية لإستعادة زمام الأمورهناك، حيث تؤكد العديد من المصادر أن تهريب "هادي" تم بتنسيق إستخبارتي سعودي-أمريكي.
"مجتهد"المغرّد السعودي الشهير والذي يرجّح ان يكون أحد أفراد العائلة الحاكمة، أوضح أن ملف اليمن بات بيد ولي ولي العهد السعودي، وزير الداخلية محمد بن نايف،وأضاف أن خيار السعودية بدعم القبائل ضد أنصار الله، يعني "دعم تنظيم القاعدة"... وهو خيار من شأنه أن يقود السعودية إلى أحراق نفسها. اذاً ما هي الخطوات التي تتخذها الرياض بعد وصول الرئيس هادي إلى عدن لإستعادة"الحديقة الخلفية"؟
السفارات بين الإغلاق والإنتقال
الخطوة الاولى للسعودية بعد إستقالة هادي تمثلت بإغلاق سفارتها في صنعاء، والضغط على دول مجلس التعاون للقيام بالخطوة نفسها، ولكن بعد وصول هادي إلى صنعاء عادت الرياض لفتح سفارتها في اليمن، ولكن هذه المرّة في عدن بغية إضفاء "شرعية مفقودة" على الرئيس هادي، وقد باشرت السفارة السعودية لدى اليمن أعمالها رسمياً من عدن، الخبر الذي عنونته صحيفة "الشرق الأوسط" كعنوان أول على الصفحة الرئيسية، أرفقته بصورة على خبر سابق، نقلته عن "مصدر خليجي" بأن السفيرين السعودي والقطري، لدى اليمن زاولا أعمالهما من مدينة عدن، حيث يقيم الرئيس عبد ربه منصور هادي بعد فراره متنكراً من صنعاء.
الخطوة هذه تؤكد أن المملكة ذهبت بقرار التصعيد في اليمن، من خلال تعويم النموذج الليبي في البلد الذي يجاورها جنوباً، بعدما عرقلت الحلول السياسية وأفشلت الحوار فيه، وهو ما أقر به عبد الرحمن الراشد، في مقاله قبل أيام في الصحيفة السعودية نفسها، فكتب عن فرار الرئيس هادي "انتقال الرئيس إلى مدينة عدن، سيعني يمناً تتنازعه حكومتان وبعاصمتين.
تسليح القاعدة
تشير جميع القرائن الى ان السعودية تحاول تكرار السيناريو السوري في اليمن عبر دعم المعارضة المسلّحة، في هذا السياق نقلت وكالة "أسوشيتدبرس"عن مسؤولين يمنيين قولهم إن السعودية تقوم بارسال الأسلحة والأموال لرجال القبائل في محافظة مأرب من المتحالفين مع القاعدة ، شمال اليمن، لدعمهم ضد انصار الله والجيش ، فيما اكدت مصادر اعلامية يمنية ان السعودية تعمل على دعم وتسليح حزب "الاصلاح" والقوى الوهابية وبينها القاعدة ، للدخول في حرب شاملة مع انصار الله والقوى الثورية والجيش في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات ، كما نقلت وسائل اعلام تمولها السعودية وقطر ، أن الرياض أعادت اتصالاتها مع زعماء آل الأحمر وبينهم اللواء علي محسن الأحمر القائد السابق للفرقة الأولى المدرعة الذي هرب إلى السعودية ، الذي يقوم بدور حثيث لتحقيق مصالحة سعودية مع زعماء مشايخ قبيلةحاشد من آل الأحمر، وكذلك مع حزب التجمع للإصلاح.
دعم الإنفصال
السعودية لم تدخر جهداً لتقويض سلطة "أنصار الله" ولذلك دعمت الرياض في الآونة الأخيرة الإنفصال في اليمن، وفي هذا السياق ألمح أحد ابرز زعماء التيار المطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله ، إلى اتصالات خليجية مكثفة لاستقطاب قيادات جنوبية مؤثرة في داخل البلاد وخارجه للقاء تفاهم عاجل لترتيب مستقبل الجنوب كدولة مستقلة تضع حداً لاي تحرك وتمدد للحوثيين.
وقال الزعيم القبلي الجنوبي المقرب من المملكة العربية السعودية الشيخ علي سالم الحارثي أنه أجرى اتصالاً هاتفياً أمس الجمعة بالرئيس الاسبق علي سالم البيض المقيم خارج اليمن تم فيه تبادل الحديث حول الأوضاع والمستجدات في الساحة الجنوبية.
الى ذلك، نشر معهد «بروكينجز» الأمريكي مقالا لـ «بروس ريدل» مدير مشروع الاستخبارات في المعهد والذي خدم لمدة 30 عاما بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «سي آي إيه» ومجلس الأمن القومي الأمريكي، توقع فيه قيامالمملكة العربية السعودية -على الأقل- بالعمل على دعم استقلال جنوب اليمن كمحاولة لتقويض سلطة أنصار الله في الشمال.
التقارب مع الإخوان
السعودية وخشية من "يمن قوي"، إتبعت سياسة"الغاية تبرر الوسيلة"، وبما أنه لا شيء مستحيل في عالم السياسة، أصبح عدو الأمس، صديق اليوم، فقد شهدت الفترة الأخيرة زيارة غير مألوفة قام بها وفد قيادي من حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمين) إلى السعودية والتي تعتبرهم إرهابيين؛ وهو ما يعتبر مؤشراً حاسماً على تغيير استراتيجية الرياض في التعاطي مع جماعة الأخوان المسلمين، على الأقل في اليمن.
العداء السعودي التقليدي لحركة الإخوان المسلمين لم يمنعها من التعامل مع حزب التجمع للإصلاح اليمني الذي يتزعمه آل الأحمر، وهي مستعدة لتقديم المساعدات لهم للإطاحة بانصار الله إذا لم تنجح بذلك الضغوط السياسية التي تقوم بها الرياض بالاتفاق مع دول مجلس التعاون، وبالتوافق مع امريكا ودول غربية أخرى.
اذاً، الوقائع الحالية تشير إلى أن السعودية ترمي بكل أوراقها في اليمن، والهدف إعادة اليمنيين إلى "بيت الطاعة"، ولكن بما ان أمن اليمن من أمن جيرانها، لأن العلاقة طردية ان اختلت بمكان تأثر المكان الآخر، لن تكون السعودية بمنأى عن أي سيناريو خطير في اليمن، فالأمور ستكون مفتوحة على خيارات انتحارية افضلها مُر للرياض كالتقسيم أو الحرب الأهلية.