الوقت- تشهد السعودية حاليا "طفرة" غير مسبوقة في سياستها الخارجية، حيث تؤكد اللقاءات التي يعقدها الملك سلمان بدءاً من زعماء الدول المجاورة من بينها قطر الكويت الأردن والإمارات، مروراً بجمعها للأضداد على أراضيها وما حمله من رسائل (السيسي وأردوغان) وصولاً إلى الزيارة التي من المقرر ان يقوم بها رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف في وقت لاحق من هذا الاسبوع، أن السعودية تقوم حالياً بترتيب البيت الخارجي بعد ترتيبها للبيت الداخلي في الفترة السابقة.
الحدث الأبرز في هذه الترتيبات التي نردها إلى التطورات الأخيرة التي حصلت في المنطقة عموماً واليمن على وجه الخصوص، كان في تزامن"الصدفة" حيث تواجد الرئيسين المصري والتركي على الأراضي السعودية، ففي حين اقتصرت زيارة الاول على ثلاث ساعات والخروج بعدها دون الإدلاء بأي تصريح، حظي الأخير بحفاوة غير مسبوقة، حيث أقام العاهل السعودي مأدبة ضخمة على شرف الوفد التركي الضخم الذي رافق الرئيس أردوغان، إضافةً إلى إجتماع مغلق إقتصر عليه وضيفه التركي بدون الوفود الرسمية وإستغرق أكثر من نصف ساعة، ما يؤكد بداية تقارب أو تحالف سعودي-تركي جديد في المنطقة.
أحداث الرياض تطرح الكثير من التساؤلات حيث فشلت كل التنبؤات الاعلامية التي توقعت حدوث لقاء مصالحة بين الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب طيب اردوغان براعية سعودية، فالسيسي الذي حضر للسعودية بغية إنجاح مؤتمره الإقتصادي في شرم الشيخ من ناحية، والحصول على المباركة السعودية في المقترح الذي قدّمه مؤخراً القاضي بتشكل "قوات عربية مشتركة" لمكافحة الإرهاب من ناحية آخرى رجع بخفّي حنين، حيث غادرالرياض دون صدور الإدلاء بأي تصريح يؤكد إلتزام الملك سلمان بدعم مصر داخلياً (في مواجهة الإخوان المسلمين) وفي أزمتها المالية، كما أنه لم يتطرق لمشروع القوة العربية المشتركة الذي من المقرر طرحه في القمة العربية القادمة.
أما الرئيس التركي الذي نجح خلال هذه الزيارة في كسر الجليد مع السعودية، توافق مع الملك سلمان على ضرورة زيادة الدعم المقدم للمعارضة السورية بشكل يؤدي الى نتيجة ملموسة أي الإطاحة بالنظام السوري والرئيس الأسد، وما يؤكد أن العلاقات السعودية التركية تشهد انعطافاً جديداً، أولاً الإجتماع المغلق الذي إقتصر على العاهل السعودي وضيفه التركي، لأن مثل هذه اللقاءات المغلقة تؤسس لتعاون ثنائي مشترك في قضايا إستراتيجية، كما تركز على تفاهمات مستقبلية تظل سرية وبعيدة عن آذان الوفود الرسمية خشية تسريبها، وليس آخراً ما كشف الكاتب الصحفي السعودي ومدير قناة"العرب" الفضائية جمال خاشقجي(مقرّب من البلاط الملكي)، عن أن"زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للسعودية سيعقبها زيارة من الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز لتركيا في وقت آخر، وأن تلك الزيارات تفتح صفحة لتعاون وتنسيق يشمل كل المنطقه لم يكشف عن تفاصيله بعد".
السؤال الذي لا بد من طرحه في هذا السياق: هل تريد السعودية "لم الشمل" وتشكيل حلف سني ثلاثي(السعودية- مصر-تركيا) لمواجهة سوريا ومحور المقاومة بقيادة إيران؟ ما هي العقبات؟ وما هي فرص النجاح؟
السياسة السعودية الجديدة تشير إلى واقع واحد مفاده أن المواجهة مع الازمة الداخلية والازمات الخارجية سواءً التقدم الملحوظ لمحور المقاومة او ظهور أنصار الله في اليمن أو تهديدات تنظيم داعش الإرهابي تتطلب لملمة "المعسكر السني"، بأعمدته الثلاثة: السعودية، مصر و تركيا، لذلك هي بأمس الحاجة إلى مصالحة عاجلة بين السيسي وعدوّه اللدود أردوغان المعروف بموقفه من النظام المصري الحالي، وهو أمر مستبعد بسبب العديد من العقبات التي يتربع ملف "الإخوان المسلمين"على سلّم أولوياتها، والتي سنذكرها بعد سرد فرص النجاح الضئيلة لهذا التحالف.
رغم أن فرص النجاح ليست كثيرة لإنشاء تحالف ثلاثي، إلاً أن حاجة الرئيس المصري إلى الأموال والنفط في الخليج التي تشتد صيفاً بسبب العوز المصري حينها للملايين من براميل النفط، وهذا ما اعتدنا عليه من الجانب المصري الذي يمعن في إبتزاز السعودية وجيرانها تحت مقولة "تأمين وحماية أمن الخليج" وهذا ما أكدته تسريبات السيسي عندما كان وزيراً للدفاع، وبراغماتية أردوغان حيث يطرح البعض معلومات عن تنسيق عربي ـ تركي، الهدف منه إعادة "الإخوان المسلمين" إلى الساحة السياسية ولكن بشكل ومضمون جديدين، يحملان ترويض هذه الحركة وتطعيمها بـ"الإسلام التركي"، ولعل السعودية تستطيع إقناع السيسي بهذا الأمر عبر الهز بعصى"المساعدات"، إضافةً إلى تهديدات تنظيم داعش الإرهابي للسعودية وتعيينه ولاة على مكة والمدينة المنورة، وتصارعه حالياً مع مصر في سيناء عبر ما يسمى بـ "تنظيم بيت المقدس"، وعلى الأراضي الليبية، أسباب رغم ضعفها قد تفضي إلى نتائج تتوخاها السعودية.
ما يثير الشكوك حول القدرة على تشكيل حلف ثلاثي سعودي-تركي-مصري، هي العقبات الجمّة التي تقف في وجه أي تقارب مصري-تركي من ناحية، والخلافات التي ظهرت مؤخراً بين السعودية ومصر من خلال مقاربة التطورات الإقليمية من ناحية آخرى وخاصةً أن العلاقات بين البلدين تشهد فتوراً منذ إستلام سلمان مقاليد الحكم في الرياض، لذلك إن أبرزعقبات تشكيل الحلف الثلاثي هي كالتالي:
أولاً:العلاقة مع الإخوان المسلمين
في حين تعتبرها مصر منظمة إرهابية ولطالما أكد السيسي أن أي تقارب مصري مع قطر أو تركيا مرهونٌ بوقف الدعم للإخوان، يتعاطف معها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ويلتقي معها عقائدياً، كما أن الموقف السعودي تجاه هذه الجماعة تغيّر في ظل سلمان وقد أبرز التقارب السعودي مع إخوان اليمن(حزب الإصلاح) مؤخراً إمتعاضاً إماراتياً.
ثانياً:الملف اليمني
تثير التطورات على الساحة اليمنية قلق الشقيقة الكبرى، ففي حين تسعى السعودية التي تدعم القبائل الموالية للقاعدة ضد أنصار الله لفرض عزلة على الجماعة، وتشترك معها تركيا التي تدعم حزب الإصلاح(الإخوان المسلمين)، تختلف وجهة النظر المصرية في هذه الملف، حيث أنه وبالتزامن مع حضور السيسي في الرياض، إستقبلت القاهرة وفداً من جماعة"أنصار الله" اليمنية، كذلك لازلنا نذكر جميعاً الرفض المصري للطلب السعودي بالتدخل يمنياً ضد أنصار الله تحت ذريعة باب المندب.
ثالثاً:الملف السوري
التقارب الأخير بين السعودية وتركيا خرج إلى نتيجة حتمية تتمثل بدعم المعارضة السورية المسلحة وتدريب فصائل معارضة على الأراضي التركية والسعودية، ففي حين تؤكد أنقرة والرياض أن أي حل للازمة السورية مشروط برحيل الأسد، يؤكد الرئيس المصري الذي يشترك مع الأسد في العداء للإخوان، والمعاناة من إرهاب تنظيم داعش، أن الرئيس السوري الحالي بات جزءاً من الحل ولا يمكن تجاهله.
رابعاً:ملفات أخرى
لا يمكن أيضاً تجاهل أسباب آخرى قد تزيد في فجوة التباعد بين أضلاع المثلث، فالإمارات الحليف الأقوى للسيسي، تكن عداءً كبيراً لجماعة الإخوان ولا تربطها علاقات جيّدة بتركياً، إضافةً إلى أن علاقتها مع الرياض تشوبها حالياً الكثير من التكهنات بسبب التغيرات التي حصلت هناك، والعداء الجديد-القديم بين محمد بن زايد ومحمد بن نايف.
كذلك المغرّد الشهير "مجتهد" الذي كشف عن العديد من أسرار العائلة الحاكمة، ويرجّح أن يكون فرداً من الأسرة الحاكمة، أكد أن السعودية ستوقف الدعم المادي لمصر،عازياً توقّف الدعم إلى “هبوط أسعار النفط وضعف الدخل”، ما يعني أن السيسي سيبتعد عن الفلك السعودي الذي دخله بسبب المساعدات.
"القوة العربية المشتركة" الذي يريد السيسي تكريس زعامته العربية من خلالها قد تكون سبباً إضافياً في التباعد المفترض، حيث أنها من المؤكد ستلاقي رفضاً تركيا، لأن الدور الريادي لمصر لن يكون في صالح انقرة حسبما يرى أردوغان.
ختاماً، التقارب بين مصر وتركيا قد يكون أمرا مستحيلا في الوقت الحالي، وبما أنه لا مجال لإمساك العصا من الوسط، على السعودية أن تحزم أمرها، ولكن ما أراه يلوح في الافق وللأسباب التي ذكرت أعلاه هو تحالف تركي-سعودي-قطري في وجه تحالف مصري سوري وإماراتي بوتيرة اقل.