الوقت - في ظل الحديث عن تدخلٍ روسي في الإنتخابات الأمريكية، وذلك عبر قرصنة الملفات أو نشر حقائق وترويجها، خرج الأمريكيون للحديث عن مستوى القلق الذي يسود الإنتخابات الحالية، لاسيما في ظل التهديد الروسي الخارجي، ووضع الديمقراطيين الداخلي. وهو الأمر الذي يحتاج للتحليل. في حين يبدو أن القيصر الروسي بوتين، وجد من الإنتخابات الأمريكية فرصة لتسوية حسابات قديمة بينه وبين واشنطن. فكيف يمكن إظهار ذلك؟
قلق الديمقراطيين الأمريكيين بلسان هيلاري كلينتون
أعربت المرشحة للرئاسة الأمريكية هيلاري كلينتون، عن رؤيتها بأن روسيا تحاول التدخل في حملة الإنتخابات الرئاسية الأمريكية وذلك بحسب ما نقلت سبوتنيك منذ يومين. فقد أكدت كلينتون بأنه عندما عاد بوتين إلى منصب الرئاسة في العام 2012، كان هدفه الرئيسي هو منع دخول جيرانه من الدول في شرق ووسط أوروبا وحتى آسيا الوسطى تحت نفوذ الإتحاد الأوروبي وأمريكا. متهمةً بوتين بأنه حاول التدخل في الإنتخابات الديمقراطية لتلك الدول كما يحاول فعل ذلك اليوم في الإنتخابات الأمريكية. وهو الأمر الذي رفضته موسكو مراراً، حيث وصف المتحدث باسم الرئاسة الروسية "دميتري بيسكوف" هذه الإتهامات بالكلام الفارغ، وأنها لا تستند إلى أي شيء ولا تقدم أي حقائق تثبت ذلك.
الواقع الحالي للديمقراطيين: صعوبة في تكهُّن المستقبل!
إنشغل الإعلام الأمريكي بالحديث عن الواقع الأمريكي الذي يسوده القلق إثر الترويج لإمكانية روسيا في تشويش الإنتخابات، الى جانب الحالة التي ولدتها وعكة كلينتون الصحية. وفيما يخص ذلك توقَع المُحلل السياسي كايل كونديك في موقع مجلة "Sabato's Crystal Ball" خلال حديثه عن وضع الديمقراطيين، أن يكون "جون بايدن" نائب الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما، الأوفر حظا للترشح للرئاسة كبديل لكلينتون، كونه مفضلاً لدى نخبة الحزب الديمقراطي أكثر من الوجه الآخر المحتمل السيناتور "بيرني ساندرز". معتبراً أن هذه المسألة ستحلها النخبة الديموقراطية، مضيفاً أنه سيكون من الصعب التكهُّن بتطور الأحداث في حالة خروج المرشحة كلينتون من السباق الرئاسي.
إثارة الشك في نزاهة الإنتخابات: حربٌ ضروسٌ روسية أمريكية
على الرغم من أن موسكو لم تقبل على نفسها الإتهام الأمريكي لها، لكن كلام واشنطن لم يكن من دون سبب. خصوصاً أن طبيعة الصراع بين الطرفين الروسي والأمريكي لا تنفي إمكانية قيامٍ أيٍ من الطرفين بعملٍ من هذا القبيل، لا سيما بعد أن أصبحت الحرب الإلكترونية والسيبيرية سلاحاً في الحرب الباردة. بالإضافة الى ما تقدم فإن واشنطن هي المثال الأكبر للتدخل في شؤون الدول الأخرى خصوصاً في ظل الحرب الباردة.
ففي العام 2009 وبعد أن تولى باراك أوباما السلطة الأمريكية، حاول مع مرشحة الديمقراطيين اليوم هيلاري كلينتون، العمل على إحداث انقسام بين الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين والرئيس الروسي آنذاك ديمتري ميدفيديف، وهو الأمر الذي فشل. عام 2011 دعمت كلينتون الإحتجاجات ضد النظام الروسي في موسكو من دون الوصول لأي نتيجة. في العام 2014 ووضعت واشنطن ثقلها للإطاحة بالحكومة الموالية لروسيا في أوكرانيا فرد بوتين بضم شبه جزيرة القرم لروسيا. كل ذلك يُعتبر حساباً قديماً لن تجد روسيا فرصةً ذهبية أفضل من اليوم لقطفها.
اليوم، وبعد أن باتت الإختراقات الروسية بحسب الأمريكيين أمراً مكشوفاً خصوصاً فيما يتعلق بالإنتخابات الأمريكية، فإن النتيجة الحتمية لهذا الأمر ولو كان مجرد شبهة بنظرنا، فإنه استطاع إثارة الشك في قلوب الأمريكيين، الذين باتوا يُشككون منذ اليوم في نزاهة الإنتخابات الأمريكية، مهما كانت النتيجة. خصوصاً بعد أن دعم المرشح الجمهوري دونالد ترامب هذا التوجه، عن قصدٍ أو من دون قصد، عندما طلب من قوة أجنبية خارجية وهي روسيا، للعمل على تسريب مادة من شأنها أن تضر بخصمه الديمقراطي. وهو الأمر الذي يضع الديمقراطية الأمريكية اليوم في خطر.
فايننشال تايمز: بوتين لم يعترف لكنه لم يُنكر!
بحسب الكاتب الأمريكي "إدوارد لوس" في مقالٍ له في صحيفة " FINANCIAL TIMES" منذ يومين، فإن فرصة النجاح لدى روسيا في تهديد الإنتخابات الأمريكية عالية. بل هي نجحت الى حدٍ ما في الوقت الحالي. مُشيراً الى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وخلال مقابلة أجرتها معه "بلومبيرغ" الأسبوع الماضي، كان واضحاً في عدم إنكار أن روسيا نفذت عمليات القرصنة الأخيرة. وهو ما دلَّت عليه بحسب الكاتب ابتسامة بوتين والتي تدل أيضاً على معرفته بالموضوع. وأكد الكاتب أن الجميع في أمريكا بدءاً من شركات الأمن الإلكتروني التي تلاحق الخروقات التي تعرضت لها الجماعات السياسية الأمريكية، بالإضافة الى مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي يجري تحقيقات في الأمر، لديهم شكوك حقيقية في أن أجهزة الإستخبارات الروسية كانت وراء تلك الاختراقات.
بالإضافة الى كل ذلك ففي الأسبوع الماضي، وعد المؤسس لموقع ويكليكس "جولين أسانج"، والذي أصدر المجموعة الأولى من رسائل البريد الإلكتروني، بمزيدٍ منها لاحقاً قبل تشرين الثاني. وهو الأمر الذي عبَّر عنه "ديمتري ألبيرو فيتش" المؤسس لشركة "كرود سترايك" والتي تُعتبر من أكبر شركات الأمن الإلكتروني في أمريكا الى أن الخطر الحالي ليس حول ما إذا كانت روسيا ستسُّرب مزيداً من البيانات، بل في متى ستفعل ذلك؟ وبحسب اعتباره فإن أسانج هو مصدر البيانات المُفضل لدى روسيا، لتقديم مزيد من البيانات المثيرة خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة.
دونالد ترامب: ناطق بإسم المصالح الروسية!
تناقل الإعلام الأمريكي ما صرَّح به المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب، والذي قال للتلفزيون الروسي الأسبوع الماضي، أنه لا يعتقد تورُّط روسيا في القرصنة التي جرت للمؤسسات الأمريكية، بل يعتقد أن الديمقراطيين هم وراء ذلك. في حين لم يُخف المرشح الجمهوري إعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، معتبراً أنه يمتلك صفات القيادة بشكل أكبر من الرئيس الأمريكي باراك أوباما. وهو ما دفع العديد من الكتاب الأمريكيين للحديث عن تواطؤ ترامب مع بوتين. خصوصاً أنه من خلال تصريحاته منح الرئيس الروسي فرصة لتشويه النموذج الديمقراطي الأمريكي، وهو ما يعني بداية نهاية ثقة العالم بالنظام الأمريكي.
لا شك أن القيصر الروسي يُجيد تكتيكات الحرب السياسية، وهو الذي ترعرع في مؤسسة الأمن السوفياتي الخارجية. يعتقد الجميع أن مهارته في دفع الخصم للنزاع مع نفسه، هي أقوى من مهارة أمريكا في الدفاع عن نفسها. في حين يمكن القول، أن أمريكا وبغض النظر عن الأسباب، تعاني اليوم من وضعٍ حرجٍ فيما يخص سياستها الخارجية وثقة العالم بنظامها الديمقراطي. بل إن الداخل الأمريكي بات يعتقد بأن الإنتخابات الأمريكية الحالية، مشكوكٌ في أمرها قبل حصولها. هكذا يُصفي القيصر الروسي حساباته الإنتخابية مع واشنطن!