الوقت- في الوقت الذي يسعى فيه الرئيس الأردني عبد الله لإعادة هيبته التي فقدها نتيجة دعمه الصريح لتنظيم داعش الإرهابي وبالخصوص بعد قتلهم الطيار الأردني، يجري الحديث اليوم عن المأزق الذي يعيشه الأردن دولةً وشعباً نتيجة الخطر الذي أصبح يشكله هذا التنظيم على الحدود مع الأردن، الى جانب خطره على المجتمع الأردني الداخلي. لكن الحقيقة تكمن في أن الشعب الأردني يدفع ثمن سياسة دولته التي ساهمت في تنمية نفوذ هذا التنظيم الإرهابي في المنطقة وكذلك في الداخل الأردني. فكيف يعتبر الأردن مساهماً في تنمية الإرهاب لاسيما تنظيم داعش؟
أولاً: أصوات سياسية من داخل الأردن تنتقد النفاق الرسمي، وتؤكد تورط الأردن في دعم تنظيم داعش الإرهابي:
إن من يتابع تصريحات السياسيين الأردنيين يدرك وجود غضبٍ شديد تجاه السياسة الرسمية والنفاق في ما يتعلق بالموقف من مكافحة الإرهاب. كما تنتقد هذه الشخصيات، السياسة الأردنية في التعاطي مع مقاربة الملف السوري. وكل ذلك يؤكد أن الموقف المعلن للأردن وبالتحديد مواقف الرئيس الأردني، ليست سوى مواقف إعلامية، ينقضها الواقع الفعلي الذي تدل عليه تصريحات هؤلاء السياسيين الأردنيين.
وإن من أهم هذه الأصوات رئيس مجلس النواب الأردني الأسبق النائب عبدالكريم الدغمي والذي أشار في حديثٍ له بتاريخ 19 يناير 2015، لبرنامج نبض البلد على قناة رؤيا الأردنية المحلية، أن تنظيم داعش الإرهابي هو صناعة أمريكية وصهيونية والأردن شكلت بيئة حاضنة له. ولفت الدغمي إلى أن أمريكا غير عاجزة عن هزيمة هذا التنظيم، "فلو أمرت تركيا بعدم إدخال المقاتلين إلى سوريا داعش ستنتهي بشهر واحد". وأضاف الدغمي عن وجود دول عربية تدفع ثمن تسليح التنظيم، رافضا تسمية تلك الدول. وأكد في حديثه أن داعش تشكل خطراً على الأردن، وهناك خلايا نائمة بعيدة عن حدودنا. وهاجم في حديثه الصمت الرسمي لبعض الجهات في الداخل الاردني "والتي تغازل داعش وبالتحديد التنظيمات الإسلامية الموجودة التي تؤمن بهذا التنظيم الإرهابي". وفي حديثه عن كيفية محاربة هذا التنظيم أشار الى أن الطريقة الصادقة للقضاء عليه، لا تكون من خلال التحالف والضربات الجوية، بل بالتحالف مع الجيش السوري لضربها. وأوضح الدغمي أن الأزمة السورية لا تحل بذهاب النظام السوري، بل تحل بوجود النظام السوري، متسائلا عن البديل عنه هل هي داعش أم جبهة النصرة!!
وإذا كانت هذه التصريحات جديدة العهد، فالسياسيون الأردنيون لم ينسوا المؤتمر الذي ضم عشرات الشخصيات والمنظمات المناوئة للعملية السياسية في العراق والذي أقيم في عمان في شهر تموز من العام الماضي 2014، والذي أطلق عليه إسم "مؤتمر إنقاذ العراق ودعم الثورة" والذي جاء بدعوة رسمية من الأردن ورعاية ملكية حسب تصريح الناطق باسم "هيئة علماء المسلمين" حينها. في ذلك الحين انتقدت كتلة الفضيلة النيابية الأردنية، سماح الأردن لانعقاد مؤتمر "يدعم داعش و ينادي بتقسيم العراق" حسب قول الكتلة، مؤكدةً أنه يؤثر سلباً على المصالح المشتركة بين البلدين الشقيقين، ويهدد المجتمع الأردني الداخلي. وكان قد أشار حينها، النائب عن الكتلة جمال المحمداوي مستنكرا "إنعقاد هذا المؤتمر برعاية ملكية من قبل المملكة الهاشمية التي لم تراع العلاقات السياسية والتجارية وعلاقات حسن الجوار التي تربطها بالعراق ومدى تأثرها بهذه الخطوة". وكان قد أنهى المؤتمر الذي جمع ما سمي بـ"القوى الوطنية العراقية والعشائر غير المنخرطة في العملية السياسية في العراق"، أعماله، في فندق الانتركوننتنال بالعاصمة الأردنية عمان، حيث أكد معظم المشاركون فيه حينها "مواصلة القتال حتى تتم السيطرة على العاصمة العراقية بغداد".
ثانياً: الأردن درَّب الإرهابيين واستخدمهم كورقة سياسية:
إعتمدت السياسة الأردنية استخدام ورقة تنظيم داعش الإرهابي في الملفات الخارجية، لكنها لم تلتفت الى خطر هذه السياسة على الداخل الأردني. فهي كانت قد أطلقت أبو محمد المقدسي من سجونها، وهو القريب جداً من جبهة النصرة، والطفل المدلل لتنظيم القاعدة. وذلك لاستخدامه كورقة ضد تنظيم داعش الإرهابي حينها. والسياسات الأردنية كانت دائماً متناقضة، حيث تختلف بحسب المصلحة ولم تكن يوماً سياسات مبدئية. وهذا ما يؤكده صمت أجهزة الأمن الأردنية وغضها النظرعن تحركات التنظيمات داخلياً، بل كانت تسمح لهم، جهاراً نهاراً، بالتظاهر دعماً لتيارهم المقاتل في سوريا والعراق. وكانت قد أشارت بعض الدراسات لوجود أكثر من ۲۵۰۰ سلفي أردني يقاتل إلى جانب تنيظمات داعش والنصرة الإرهابيين في سوريا والعراق. ومن بينهم عدد كبير من القيادات الجهادية، وهم بهذا يُعدون القاعدة الأكبر عدداً للمقاتلين الأجانب في العراق وسوريا. وفي سياقٍ متصل، نقلت وكالة "وورلد نيت دايلي" الأميركية عن مسؤولين أردنيين قولهم أن أعضاء تنظيم ما يسمى "الدولة الإسلامية في العراق و الشام" المعروف بـ"داعش" سبق لهم أن تلقوا تدريبات عام 2012 من قبل مدربين أميركيين يعملون في قاعدة سرية بالأردن. وأشار المسؤولون بحسب الوكالة، إلى أن عشرات من أعضاء التنظيم تدربوا في تلك الفترة كجزء من مساعدات سرية كان يتم تقديمها للمسلحين الذين يستهدفون سوريا، وأن تلك التدريبات كانت تهدف إلى قيام المسلحين بعمليات مستقبلية في العراق.
إذاً هي الأردن الدولة التي حمت الإرهاب وحضنته. ويخرج رئيسها اليوم، ليتحدث عن الحرب على الإرهاب. سياسةٌ ليست بجديدةٍ على دولٍ إمتهنت النفاق والكذب. فهي تعيش وهمُّها مصالحها، دون الإلتفات الى الخطر الإستراتيجي لهذه السياسات. واليوم، في ظل دولةٍ تقول أنها تحارب الإرهاب في الخارج، بعد أن كانت قد غضَّت الطرف عنه في الداخل، يبقى السؤال الأخطر المتعلق بالأردن اليوم: ماذا يخبأ الإرهاب، للأردن داخلياً؟