الوقت- لعل من أكثر ما يؤلم الانسان المسلم وتحديداً المواطن العربي ازاء ما يحدث في المنطقة هي المواقف السلبية والضعيفة التي تتخذها جامعة الدول العربية حيال هذه القضايا خصوصا ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والازمة السورية والعنف والارهاب الذي يجتاح المنطقة.
فالجامعة العربية منذ تأسيسها عام 1945 وحتى الآن لم تتمكن من اتخاذ اي موقف واضح وصريح ازاء القضية الفلسطينية رغم الكوارث والمآسي التي تحملها ويتحملها الشعب الفلسطيني على يد كيان الاحتلال الاسرائيلي والتي ادت الى استشهاد وجرح وتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين وتدمير منازل آلاف آخرين وتخريب البنى التحتية لمدنهم وقراهم في مختلف المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والعمرانية.
فطيلة العقود الماضية بقيت الجامعة العربية تتفرج على هذه المأساة ولم تتمكن من لمِّ شمل الدول العربية وتوحيد صفوفها لنصرة الشعب الفلسطيني المظلوم رغم الطاقات والامكانات الهائلة التي تملكها هذه الدول في شتى المجالات، واقتصر دور الجامعة حيال الاحداث والتطورات الجسيمة التي شهدتها القضية الفلسطينية طيلة تلك الفترة على إصدار بيانات لا تغني ولا تسمن من جوع ولا يمكن أن تستعيد ايا من حقوق الشعب الفلسطيني المغتصبة. ليس هذا فحسب؛ بل أدت هذه المواقف الى تشجيع الكيان الاسرائيلي على احتلال المزيد من الاراضي الفلسطينية واقامة المستوطنات في هذه الاراضي بعد تهجير اهلها وتدمير منازلهم ومزارعم وكل ما يتعلق بحياتهم ومستقبل أبنائهم.
اما فيما يتعلق بالأزمة السورية فلا يختلف الامر كثيراً عما ذكرناه آنفاً، فمنذ اندلاع الازمة في هذا البلد واحتلال الجماعات الارهابية والتكفيرية لأراضيه كـ "جبهة النصرة" و ما يسمى بـ " الجيش الحر" وأخيراً "داعش الارهابي" التزمت الجامعة العربية الصمت، وسمحت لهذه الجماعات بأرتكاب اشنع الجرائم وأفظعها بحق الشعب السوري، ووصل الأمر بالجامعة الى تجميد عضوية سوريا فيها ومنح مقعدها الى المعارضة السورية - وهو قرار غير قانوني ومخالف لميثاق الجامعة ونظامها الداخلي – ومن ثم فرض الحصار الاقتصادي والسياسي عليها والاصطفاف الى جانب الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا وبعض الدول الاقليمية كقطر والسعودية وتركيا لاسقاط نظام الرئيس السوري بشار الاسد .
واصدرت الجامعة العربية بيانات متعددة حمّلت الحكومة السورية مسؤولية ما يجري في البلد من كوارث ومآسٍ انسانية رغم الادلة الكثيرة والقاطعة التي تدين الجماعات الارهابية المسلحة بارتكاب مختلف انواع الجرائم التي أودت بحياة الآلاف من السوريين الأبرياء وأضرت كثيراً بالبنى التحتية للبلد منذ اندلاع الازمة قبل نحو اربع سنوات وحتى الآن.
واضافة الى ذلك فإن موقف الجامعة العربية لميختلف كثيراً ازاء ظاهرة العنف والارهاب التي اجتاحت المنطقة قبل اكثر من ثلاث سنوات ولازالت شعوبهاودولها تكتوي بنارها وتدفع فاتورتها الباهظة بالارواح والممتلكات وفي كل شيء دون أن تتخذ الجامعة مواقف حازمة ازاء هذه الظاهرة الخطرة والكارثية، واكتفت باصدار بيانات باهتة تُشَم منها رائحة التخاذل والتقصير رغم الاضرار الكبيرة التي تحملتها وتتحملها المنطقة لاسيما الدول العربية وبالخصوص سوريا والعراق ولبنان.
وهناك قائمة طويلة وعريضة بالمواقف المخجلة للجامعة العربية - لا نريد الخوض فيها وفي تفاصيلها - تجاه مختلف القضايا التي تشهدها المنطقة وفي كافة المجالات السياسية والامنية والعسكرية والاقتصادية وحتى الفكرية والثقافية والاجتماعية والعلمية.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ضعف وقصور الجامعة العربية، فيما يعتقد الكثير من المراقبين أن سياسات الجامعة الخفية والمعلنة تُرسم من قبل اطراف خارجية لتنفيذ أجندات تستهدف أمن واستقرار المنطقة وتحقيق مصالح الدول الغربية لنهب ثروات الشرق الاوسط والتحكم بمصير دوله بما يخدم المشروع الامريكي - الصهيوني في هذه المنطقة الحساسة من العالم.
وفي إحدى كتاباته وصف أحد الكتّاب العرب جامعة الدول العربية بأنها "باتت بؤرة للتآمر على المنطقة وشعوبها، لتوفير الغطاء للتدخلات العسكرية الاجنبية، ولذلك لا خير فيها ولا جدوى من اصلاحها، ولا بد من محاكمة كل من ساهم في مؤامراتها ضد هذه الامة وشعوبها، سواء كانوا أمناء عامين، او اعضاء جلسوا على مقعد قيادتها في ظل انقلاب المعادلات وتراجع الدول المحورية وغياب القيادات الوطنية ".
وحمّل هذا الكاتب الجامعة العربية المسؤولية عن دمار سوريا، مؤكدا أنها " أي الجامعة " لا يحق لها ذرف دموع التماسيح على مأساة الشعب السوري، واصفاً في الوقت نفسه موقف الجامعة من الصراع في ليبيا بـ " المخجل بكل المقاييس" والذي يدفع الشعب الليبي ثمنه من أمنه واستقراره وثرواته النفطية الهائلة.
وأخيراً لابد لنا من القول أن الجامعة العربية يجب عليها من الآن فصاعداً الاعتراف بفشلها وأخطائها الفادحة وسوء تقديرها للمواقف في التعامل مع القضايا المصيرية التي يمر بها العالمان العربي والاسلامي والتوقف عن المتاجرة بهذه القضايا لخدمة اغراض اجنبية لا تروم سوى الشر بالامة ولا تطمح بغير الخراب والدمار لهذه الامة وتحقيق مصالحها المشؤومة.