الوقت- يبدو واضحاً أن نتائج الحرب في سوريا خرجت من إطارها الميداني المحلي لتطال الإقليمي والدولي. فيما يشهد العالم إنعطافةً واضحة، من قبل الدول لا سيما الغربية بالإضافة الى تركيا، نحو القناعة اليقينية بضرورة إيلاء النظام السوري الدور المركزي في الحرب على الإرهاب. خصوصاً بعد فشل التحالف الدولي الذي أنتجته واشنطن في تحقيق أي تقدمٍ يُذكر في هذا الشأن. في حين بدأت قواعد الميدان السوري، بإبراز تقدمٍ واضح للدور الرسمي للدولة السورية على حساب الدور الأمريكي. وهو ما أكدته تطورات الحسكة العسكرية والتي سنُشير إليها خلال المقال. فيما أضحت سياسة واشنطن البراغماتية في دعم الإرهاب، خطراً يُهدِّد مصالح الدول كافة، لا سيما الغربية. فكيف بات الميدان لصالح الطرف السوري الرسمي؟ وما هي دلائل تقدم الدور السوري على حساب الدور الأمريكي؟
تطورات الحسكة العسكرية الخطيرة بحسب إعترافات اسرائيلية
خرج موقع "DEBKAfiles"، والتابع للمخابرات العسكرية الإسرائيلية، للحديث عن تطوراتٍ عسكرية تتعلق بقواعد الميدان السوري لا سيما مجريات معركة الحسكة، والتي اعتبرها مؤثرة في الصراع السوري بشكلٍ عام. وهو ما لم تُعطه وكالات الأنباء أو المواقع الإخبارية حقه، وسنعرضه لعلاقته بالتحول النوعي لصالح الحلف الروسي الإيراني في الحرب السورية.
بحسب الموقع، قامت الطائرات السورية بشن غاراتٍ جوية على مواقع للأكراد في الحسكة، مما أدى لتتدخل طائرات حربية أمريكية لردعها. فيما أشار الموقع نفسه الى إمكانية أن تكون الطائرات روسية. بينما جاءت ردة الفعل الأمريكية، نتيجة قرارٍ اتخذته واشنطن، لمنع تغيير قواعد الميدان العسكرية في المناطق المتداخلة بين سوريا والعراق، وجعلها في صالح النظام السوري. كما أشار الموقع، الى أن وزارة الدفاع الأميركية أكدت محاولة قوات التحالف التواصل مع المقاتلات السورية، لكنها لم تحصل على أي إجابة. وصدر تحذير أمريكي لروسيا من القاعدة الأمريكية في الأردن لكنها أيضاً كانت من دون جدوى. فيما أكد الموقع أنه على ما يبدو فإن الطرفين الروسي والسوري تجاهلوا التحذيرات الأمريكية.
على الصعيد الميداني لفت الموقع الى أنه ونتيجة التطور العسكري الروسي السوري في الحسكة، إنسحب عددٌ من القوات الأميركية والتي تضمّ مدربين ومستشارين لوحدات حماية الشعب الكردية وقوات سوريا الديمقراطية، من المنطقة. وأضاف الموقع، الى أنه يمكن الإقتناع بأن ما جرى هو من نتائج الإتفاق الروسي التركي، والذي يصب في صالح النظام السوري، حيث تعهدت موسكو بمساعدة تركيا لمنع ما يمكن أن يُساعد الأكراد على الإنفصال، وهو ما يصب في صالح النظام السوري الساعي لمنع التقسيم. كما أشار الموقع، الى أن الهجوم الأخير، هو أول نتائج التحالف الجديد في سوريا بين روسيا وتركيا بالإضافة الى سوريا وإيران، بحسب تعبير الموقع. في حين كشف الموقع، عن ضغطٍ تركيٍ قام به أردوغان، إزاء الطرف الأمريكي، لإخلاء قاعدة إنجرليك الجوية. كما لم يُخف الموقع توقعه، بالرد الأمريكي على روسيا ولكن خارج الحدود السورية وتحديداً في أوكرانيا.
نتائج وتحليل: كيف بات دور النظام السوري واقعاً على حساب دور واشنطن؟
لم تشهد الأزمة السورية منذ أندلاعها، ما تشهده اليوم، لا سيما فيما يخص التطورات الجوهرية في الصراع. في حين يمكن تبيان تراجع الدور الأمريكي، وتقدم دور النظام السوري، من خلال ما يلي:
أولاً: ما يزال الجيش السوري متقدماً في الميدان. حيث يبدو واضحاً قدرته على فرض المعادلات العسكرية في أي معركة يخوضها. وهو ما يُعتبر إنجازاً نوعياً، لا سيما في ظل حرب الإستنزاف التي أغرقته فيها سياسة واشنطن، وحلفائها. والتي كان آخرها، محاولة إشغاله في حربٍ مع الطرف الكردي، والذي بالغ في الإنغماس في المشروع الأمريكي سعياً للإنفصال، دون إدراكه حقيقة أن الطرف الأمريكي يستخدمه، لمصلحةٍ آنية، لن تمنعه من عقد الصفقات على حسابه في حال إقتضت المصلحة ذلك. فيما فشل الدور الكردي في تحقيق أيٍ من رهاناتٍ أمريكا عليه، لا سيما في الحسكة. بينما جاء دوره منافياً للمصلحة الوطنية السورية، وخدمةً لمشروع واشنطن والرياض، الهادف إطالة الأزمة السورية وترسيخ واقع التقسيم.
ثانياً: تغيرت مواقف الدول الغربية كافة، لا سيما فيما يخص الموقف من آلية مكافحة الإرهاب. حيث باتت هذه الدول، تؤمن بأهمية دور النظام السوري، وهو ما يُعارض المخطط الأمريكي. بل لم تعد الدول تُعير أي أهمية لدور التحالف الأمريكي الهادف لمحاربة الإرهاب، خصوصاً بعد أن أثبتت التجربة، زيف ادعاءات واشنطن، واستخدامها ورقة الإرهاب، لتحقيق مآرب خاصة. مما يُعد خسارة كبيرة لسياسة أمريكا في المنطقة، والتي ستؤثِّر حتماً على دورها الدولي.
ثالثاً: هدف الأمريكيون من دعمهم لما يُسمى بالمعارضة السورية في البداية، لتقوية طرفٍ داخلي على حساب النظام السوري. لكن تطورات الميدان، وعدم قدرة المعارضة التي ما تزال مُشتتة على التوحُّد، أفقد الرهان الأمريكي فحواه. ليسطع بعد ذلك نجم الأكراد، والذين دعمتهم واشنطن بالسلاح للهدف نفسه، تحت حجة مساعدتهم في مكافحة الإرهاب. فيما سقط الرهان عليهم مرة أخرى، في ظل سعيٍ واضحٍ منهم، للعمل ضمن خيارات واشنطن البعيدة عن المصلحة السورية، ناهيك عن السعي للإنفصال، وهو ما يرفضه الشعب السوري، كمقدمة للتقسيم وضرب وحدة الأراضي السورية. وهو ما دعم خيارات النظام السوري، كطرفٍ مسؤولٍ وشرعي. فيما سقطت واشنطن في سوء رهاناتها، وفشل أهدافها.
رابعاً: بات دعم الأمريكيين للإرهاب في سوريا واضحاً، وهو ما أصبحت تتناقله وسائل الإعلام كافة. فها هي منطقة الرقة السورية، تعيش تحت رحمة تنظيم داعش الإرهابي. وهو ما كان أحد أهداف واشنطن وحلفائها، ضمن معركة إستنزاف النظام، عبر تحييد مناطق معينة، وإبقائها خارج المعركة، لتكون ساحةً مُستقبلية للإستنزاف. حيث نشهد اليوم، سيطرة تنظيم داعش على الرقة للعام الثالث على التوالي، ممارساً بحق المدنيين أبشع الجرائم، في ظل صمتٍ دوليٍ ونفاقٍ إعلامي عربي في تحريف الحقائق. حيث يعيش فيها مليون ونصف مليون سوري، معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن، في ظل أوضاع إنسانية صعبة ونقص المواد الغذائية والطبية. والحقائق تُشير الى إستفادة تنظيم داعش من المدينة إقتصادياً، حيث ينتج يومياً نحو 1600 برميل من النفط من بئر "الطبقة"، ويستفيد من الطاقة الكهربائية التي ينتجها سدي "الفرات" و"البعث"، الى جانب استيلائه على كميات من القمح تقدر بـ 600 ألف طن. كلُّ ذلك يجري، بفضل سياسة أمريكا، الداعمة للإرهاب.
لا شك أن المستقبل يحمل نتائج، لن تكون في صالح الطرف الأمريكي. فالجغرافيا السياسية والعسكرية هي التي تُحدِّد مسار الصراع. والتي يبدو أنها تغيَّرت حتى أصبحت بحد ذاتها تفرض على الطرف الأمريكي، سياسة الإنعزال وتقبُّل الواقع. لنقول أن التغيُّر في موازين اللعبة السورية جعل دور النظام السوري على حساب الدور الأمريكي.