الوقت- حفاوة كبيرة تلك التي استقبلت بها وسائل اعلام عربية وغربية نبأ انطلاق العمليات العسكرية لتحرير الرقة من قبضة تنظيم داعش الارهابي والتي تقودها الولايات المتحدة بمساعدة الأكراد، حيث تصدرت أخبار عمليات تحرير المدينة الصغيرة، عناوين النشرات الأخبارية والصحف والشبكات الاجتماعية، وتحدثت عن تطهير وشيك لمدينة الرقة السورية من عصابات داعش الارهابية، وتحرير أبرز معقال التنظيم الارهابي.
إلا أن هذا الاحتفاء بمحاربة الارهاب، يغيب تماماً عندما يتعلق الأمر بمدينة حلب، ومعارك الجيش السوري وحلفائه لتطهير المدينة من المجموعات الارهابية، وذلك بالرغم من أهمية المدينة وحجمها الكبير وما تمثله من ثقل سكاني، بل على العكس تشن وسائل الاعلام هذه حرباً نفسية واعلامية على الجيش السوري، تشكك تارة بإنجازاته، وتارة أخرى تتهم الجيش بقتل المدنيين بهدف جلب ادانة دولية ضد النظام السوري تضطره إلى وقف عملياته، بل وتصطف في خندق الجماعات الارهابية مطلقة على الارهابيين لقب الثوار كما حصل في معركة خان طومان التي قادتها جبهة النصرة الارهابية.
الجدير بالذكر أن الجماعات المسلحة في كل من حلب والرقة (أي داعش والنصرة)، تعتبر وفق تصنيف الأمم المتحدة جماعات ارهابية، والممارسات التي يرتكبها التنظيمين بحق المدنيين لا تختلف كثيراً في وحشيتها. فلماذا ازدواجية المعايير في التعاطي مع محاربة الارهاب، طالما أن الارهاب واحد، والتصنيف واحد والشعب المتضرر منه واحد؟!
لا شك أن هناك تعتيم متعمد على الدور المحوري الذي يقوم به الجيش السوري لتطهير البلاد من قبضة الارهاب، بل ومحاولة إضعافه، خاصة في ظل التقدم الذي أحرزه الجيش السوري مع قوات المقاومة الحليفة على جبهات حلب وريفها، والغوطة وريف دمشق، وقبلها معركة تحرير مدينة تدمر.
ومن الواضح أن عملية تحرير الرقة من قبضة داعش بقيادة الولايات المتحدة قد جاءت استباقاً لأي عمليات قد يشنها الجيش السوري لتحرير المدينة، خاصة في ظل الأنباء التي تحدثت عن أن الرقة ستكون وجهة الجيش السوري التالية بعد تحريره لمدينة تدمر في ريف حمص الشرقي وتطهيرها من وجود تنظيم داعش الارهابي.
وقد حشد الأمريكيون قرابة ألف جندي من وحدات النخبة وأعدّوا لحرب جوية شاملة توفر الغطاء الناري اللازم لمنح القوات المتقدّمة التوازن المعنوي اللازم بوجه داعش، والهدف الأميركي الواضح الذي طالما دعت حلفاءها لمشاركتها فيه هو السيطرة على الجزء الذي يتواجد فيه تنظيم داعش من الأراضي السورية، لاستثماره كورقة ضغط في حل سياسي قد تقبل عليه سوريا. كما شكلت الزيارة التي قام بها قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط "جوي فوتيل" إلى مدينة عين العرب (كوباني) قبل أيام، واجتماعه برئيس الاتحاد الديمقراطي صالح مسلّم، تمهيداً لعملية تحرير الرقة، حيث تم الاتفاق على العملية العسكرية التي يزج فيها الأكراد نحو 12 ألف من قواتهم.
فما تريده أمريكا والمعكسر الموالي لها في المنطقة هو تفادي الاعتراف بضرورة التعاون مع روسيا والجيش السوري وحلفائه للفوز بالحرب على داعش، كما ترغب أمريكا بالحد من انجازات الجيش السوري على الأرض السورية، بهدف منع امتلاكه أوراق قوة إضافية على طاولة مفاوضات جنيف، خاصة في ظل الانجازات الأخيرة التي حققها على جبهات حلب وريفها والغوطة الشرقية وريف دمشق.
وتسعى أمريكا أن توجد لنفسها دور محوري في القضية السورية، إلا أنها ظلت طوال الفترة الماضية تبحث عن لاعب ميداني على الأرض السورية يمكنها المراهنة عليه، ويبدو أنها وجدت ضالتها هذه المرة بقوات الحماية الكردية التي تشكل العمود الفقري لما يسمى جيش سوريا الديموقراطي.
ويرى مراقبون أن قيام الأكراد بتقديم أنفسهم كيد ضاربة لأمريكا في سوريا، ينطلي على مخاطر كبيرة نظراً للتعقيدات التي يتصف بها المشهد السوري، فالمعركة هذه المرة تختلف عن طبيعة المعركة في عين العرب (كوباني)، ذلك لأن التشكيلات الكردية التي قاتلت وتقدمت في عين العرب، كانت تتحرك ضمن بيئتها الشعبية ونسيجها الاجتماعي، وهذا ليس حال الرقة، عدا عن الفارق في حسابات داعش بين المنطقتين، وكون الرقة تشكل أبرز وأهم معقل لداعش في سوريا مقارنة بكوباني.
وينبغي على الأكراد أن ينتبهوا إلى المخاطر التي قد تجرهم إليها أمريكا، والتي لا شك تبحث عن مصالحها الخاصة بعيدا عن أي حسابات أخرى، مما قد يترتب عليه خسائر كبيرة في الأرواح من القوات الكردية، إضافة إلى إيجاد نوع من العداء مع محيطها من العشائر العربية، وزجهم أي الأكراد في تصفية حسابات اقليمية، خاصة في ظل التحالف الأمريكي التركي والموقف التركي المعادي للمكون الكردي في سوريا.