الوقت- أكد عدد من المواطنين السعوديين خلال مقابلة مع وكالة "بلومبرغ" الاقتصادية أن الأوضاع المعيشية في البلاد باتت صعبة جداً في ظل سياسة التقشف التي تنتهجها الحكومة.
وأشار هؤلاء المواطنون إلى أن تكاليف المعيشة في السعودية قد ارتفعت إلى حد كبير في الآونة الأخيرة، إلى جانب الصعوبات الكثيرة التي يواجهها الناس في تحصيل أرزاقهم.
وذكر تقرير "بلومبرغ" إن السعوديين اعتادوا في العقود الماضية على استقرار سعر عملة بلادهم "الريال" مقابل الدولار الأمريكي لكنهم بدأوا يلمسون بشكل واضح تغييراً سلبياً في هذا المجال خصوصاً بعد انخفاض قيمة الريال خلال الأشهر الأخيرة.
وأشار التقرير أيضاً إلى أن السعوديين كانوا يتمتعون بأوضاع اقتصادية جيدة نسبياً في السابق بفضل العائدات النفطية التي تحصل عليها بلادهم لكنهم بدأوا يشعرون خلال السنتين الأخيرتين بأن ظروفهم المعيشية قد تدهورت كثيراً بسبب انخفاض أسعار النفط بشكل كبير في الأسواق العالمية من ناحية، والتكاليف الباهظة التي نجمت عن العدوان السعودي المتواصل على اليمن منذ نحو عام ونصف العام من ناحية أخرى.
وبعد انخفاض أسعار النفط حاولت الرياض تغيير سياستها الاقتصادية، لكن المرجح أن الوضع سيزداد سوءاً لأن الاقتصاد السعودي أصبح عرضة لنفاد السيولة النقدية.
وكان ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد اقترح على الحكومة تطبيق ما أسماه خطة اقتصادية "رؤية 2030" تهدف إلى خفض مستوى الدعم المالي للجوانب الخدمية التي تُقدم للمواطنين وزيادة أسعار الوقود والكهرباء والمياه بشكل لم يألفه المواطن السعودي من قبل.
وفي وقت سابق قال محمد بن سلمان في لقاء مع "بلومبرغ" إن السعودية كانت ستصل إلى الإفلاس التام في أوائل العام القادم (2017) في حال لم تغير سياساتها الاقتصادية.
وأوضح بن سلمان أن بلاده اتخذت عدداً من الإجراءات لتفادي هذا الأمر، منها خفض الميزانية بنسبة 25 في المئة، ورفع ضريبة القيمة المضافة والرسوم الأخرى، مشيراً إلى أن ذلك ساهم إلى حد ما في تراجع معدل استنزاف الاحتياطات النقدية للسعودية التي بلغت 30 مليار دولار شهرياً خلال النصف الأول من العام الماضي.
من جهة أخرى رفعت الحكومة السعودية كلفة الحصول على تأشيرة الدخول (الفيزا) للوافدين الأجانب، ما أدى إلى تراجع أعداد العمّال القادمين من الخارج، خصوصاً عمّال الخدمة في المنازل السعودية.
ورغم مساعي الحكومة السعودية لتقليل الاعتماد على العائدات النفطية من خلال زيادة الرسوم والضرائب على الجوانب الخدمية ورفع أسعار الوقود والكهرباء والمياه، إلاّ أن هذه المساعي باءت بالفشل بسبب السياسات الاقتصادية التي كانت متبعة في السابق والتي تعتمد بشكل تام على وفرة العائدات النفطية.
في هذا السياق أكد المواطن السعودي "فهد بن رجا" وهو تاجر لبيع سيارات في العاصمة الرياض أنه بدأ يستشعر حدّة التغييرات الاقتصادية السلبية التي تحصل في البلاد ويجد صعوبة في تغطية نفقاته. أمّا المواطن عبدالله سعيد (63 عاماً) الذي يعمل سائقاً وتعمل زوجته في بيع العطور المحلية الصنع فيؤكد بأن أسعار الوقود قد ارتفعت بعد رفع الدعم الحكومي عنها ما يجعل الحصول على مكسب من المال صعباً خصوصاً في الرياض.
في ذات السياق أكد "بروس ريدل" المتخصص البارز في معهد (بروكينغز) والذي قضى 30 عاماً في وكالة الاستخبارات المركزية أن الخطر يكمن في أن حزمة الإصلاح الاقتصادي التي تعتمدها السعودية لن تقلل من اعتمادها على دخل النفط على المدى القريب، كما أنها لا تزال عرضة لانخفاض حاد في أسعار النفط، وهو ما قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار ويضطرها لاتخاذ إجراءات تقشفية جديدة.
ومن المتوقع أن ينمو اقتصاد السعودية هذا العام بنسبة تقل عن 1.5 في المئة، وفقاً لبيانات جمعتها بلومبيرغ. وهذه النسبة تعتبر أبطأ وتيرة منذ أكثر من عقد من الزمان، فيما تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن النمو في الأجل المتوسط في السعودية يستقر عند 2.5 في المئة، وهو ما يكفي بالكاد لخفض واحدة من أعلى معدلات البطالة بين الشباب تحت سن الـ 30 في العالم.
وينبغي القول بأنه ومع استمرار العدوان على اليمن وزيادة نفقات التسلح وبقاء أسعار النفط منخفضة تتزايد التأثيرات السلبية على الإقتصاد السعودي، ويزيد الأمر سوءاً بتزايد التوقعات بتراجع معدلات النمو في البلاد، وارتفاع نسبة العجز في الميزانية إلى نحو 20 بالمائة هذا العام (2016) مقابل 15 بالمائة خلال العام الماضي (2015).
وجدير بالذكر إن استمرار الأزمة الاقتصادية في السعودية ستكون له آثار مدمرة على الشركات العاملة خصوصاً في قطاعات البنية التحتية، ومن بينها قطاع المقاولات الذي يعتبر الأكثر تضرراً، والعاملون فيه أكثر عرضة للخروج من سوق العمل.
وتعاني السعودية من ضعف نمو الناتج الإجمالي المحلي، ورغم رفعها الرسوم والضرائب فإن الإقتصاد يتراجع، وأصبحت الحكومة غير قادرة على دفع رواتب العمالة الوافدة، وتركت آلاف العمال من جنوب شرق آسيا للمستقبل المجهول.