الوقت - جاءت زيارة الرئيس التركي لروسيا وبدء المصالحة وإعادة التطبيع بين الدولتين في وقت مثير للإهتمام في التوقيت والأهداف والدلالات، هذه الأمور وأخرى متعلقة كانت محور حديثنا مع الكاتب والمحلل السياسي الأستاذ "مخايل عوض"، والتي جاء في تفاصيلها التالي:
الوقت: برأيكم ما هي الأسباب الحقيقية الكامنة وراء زيارة أردوغان لروسيا في هذا التوقيت تحديداً؟
الأستاذ مخايل: "هناك سلسلة من الأسباب، في طليعتها أن أردوغان تحامق في السياسة، لا سيما فيما يتعلق بالأزمة السورية وأدت حمقاته إلى سلسلة من الهزائم عبّرت عن نفسها بالصراعات متعددة الأطراف في الداخل التركي، وأيضاً تحرشه بالتدخل الروسي في سوريا أدى إلى إتخاذ روسيا لسلسلة من الإجراءات العقابية تركت آثاراً إقتصادية وسياسية داخل تركيا، ثم جاءت محاولة الإنقلاب التركي الفاشل وما سببته من أزمات جدّية داخل تركيا ما دفع أردوغان بأن يلحس بصاقه ويجري إنعطافته ويذهب إلى بوتين معتذراً ومحاولاً تصحيح الأخطاء التي إرتكبها في السنوات الأخيرة على كل الأصعدة لا سيما في الأزمة السورية."
وإستدرك قائلاً: "لا شك أن هناك أسباباً إضافية دفعت لذلك أيضاً، فكلا البلدين يحتاج للآخر في حلحلة أزمته الإقتصادية وتطوير القطاعات الإقتصادية فروسيا بحاجة لتركيا لخط السيل الجنوبي ومعبر يعزز تحررها من هيمنة المعبر الأوكراني في ظل الأزمة الناشبة بينهما، بينما تركيا بحاجة للغاز الروسي إذ أنها لم توفر بدائل وقارب عقد العشر سنوات الماضية بينهما على الإنتهاء وهي بحاجة إلى التفاوض بشأن عقد جديد وتحتاج إلى تسهيلات وتحديث وأسعار تفصيلية، كل هذه العوامل إجتمعت لتدفع بزيارة أردوغان هذه إلى روسيا."
الوقت: ماذا عن الخلافات التركية الأمريكية، ألا تشكل عاملاً إضافيا دفع نحو هذه الزيارة؟
الأستاذ مخايل: "أردوغان شخصية إنتهازية مناورة، وما لم تخرج تركيا من الحلف الأطلسي والولاء السياسي للولايات المتحدة يمكن أن تصنف حركته بمجرد مناورة للإستقواء، وذلك بتصوير نفسه وكأنه في عداء مع أمريكا في محاولة لتجميع وتوحيد الشعب والجيش التركي للقول بأنه تحريري ويختلف مع الولايات المتحدة وهذا ليس سوى بعبعة وبروباغندا إعلامية، وهو ما شهدناه سابقاً في إجتماعه مع بيرتس في دافوس لكي يقدم نفسه على أنه محرر لفلسطين من بوابة العرب والمسلمين، ومن المؤكد أن تركيا لا يمكنها أن تسقط من الحلف الأطلسي والتبعية الأمريكية وإن فعلت ذلك سيكون هناك تحول كبير لا مؤشرات له في الأفق."
الوقت: ماذا عن الموقف التركي من الوضع في سوريا بعد هذا اللقاء مع الروس؟
الأستاذ مخايل: "المسألة الخلافية الوحيدة التي أزّمت العلاقة بين تركيا وروسيا هي الأزمة السورية، فقبل ذلك لم يكن هناك خلاف فيما بينهم بل على العكس كان هناك تعاون وإنفتاح إقتصادي و"أتوسترادات" مفتوحة على كل المجالات، لذا من المنطقي إذاً أن تكون الأزمة السورية هي بوابة تسوية الخلافات وقبول الإعتذارات والخطوات المستقبلية، ليست روسيا المأزومة والتي تعاني من توترات داخلية إنما التركي هو الذي يعيش حالة من الإضطراب والإنكسار والهزيمة في مختلف الملفات، لذا فإن أردوغان هو المعني بأن يقدم تنازلات لأنه الأضعف، لكن ما هو حجم التنازلات هذا الأمر ستكشفه الأيام القادمة."
الوقت: البعض تحدث عن أن التنازلات التركية في سوريا ثمنها زيادة التعاون الإقتصادي مع روسيا، ما رأيكم؟
الأستاذ مخايل: "برأيي العلاقات التركية الروسية من الناحية الإقتصادية كانت متينة قبل الإشتباك في سوريا، لذا من المتوقع أن تعود لطبيعتها إذا ما غيّر أردوغان موقفه من سوريا ومن الدور الروسي في سوريا، ولا جديد على هذا الصعيد، الخلاف في سوريا هو الذي أزّم العلاقات الإقتصادية والإتفاق مجدداً على هذا الملف هو الذي سيعيد العلاقات كما كانت أو يطورها."
الوقت: ماذا عن معركة حلب؟ لم نر إندفاعة تركية أو حتى أي تصريحات على مستوى رسمي إتجاه الإنجازات التي يحققها الجيش السوري، هل تطبيع العلاقات مع روسيا هو السبب، خصوصاً أن حلب مهمة جداً بالنسبة للأتراك كما يعرف الجميع.
الأستاذ مخايل: "ليس هناك تصريحات لأنه المطلوب من تركيا أفعال لا أقوال، والأفعال التي تطلبها روسيا من تركيا هي إقفال الحدود ومنع المسلحين من إستخدامها لتهريب السلاح والمقاتلين، وتوقف تركيا عن كونها دولة حاضنة وساحة لتدريب وتجميع وإعداد للمسلحين، وهذا أمر ستقوم به ولكن ليس بالضرورة أن يحدث الآن."
الوقت: يعني ما نشهده في حلب اليوم يعكس تنازلاً تركياً؟
الأستاذ مخايل: "لا ليس بالضرورة فبرأيي لم تنضج بعد اللحظة التي ستعلن فيها تركيا قطع علاقتها بداعش والنصرة والجماعات الأخرى في سوريا، وأستبعد أن يخرج أحد في تركيا ويقول إنهم قد انقلبوا على تاريخهم وفكوا العلاقة نهائياً، لذا ستقوم تركيا فعلياً بتقليص حجم تدخلها وحجم دعمها وإسنادها وإمدادها للمسلحين في سوريا إلى أن تصل للحظة الصفر."
الوقت: ماذا عن الداخل التركي، يبدو أن الشعب راضٍ عما يقوم به أردوغان من تطهير وإقالات وما إلى ذلك خصوصاً بعد المسيرات الجماهرية التي شاهدناها والتي تدعم خياراته، هل هذا سيستمر برأيكم؟ أم أن تمادي أردوغان في هذا سيفقده الحاضنة الشعبية؟
الأستاذ مخايل: "أنا لي قراءة مختلفة فوجدت في التظاهرتين اللتين جرتا بعد المحاولة الإنقلابية الفاشلة والإجراءات الديكتاتورية والتسلطية التي أَقدم عليها أردوغان أن هناك موقفاً شعبياً تقوده المعارضة يقول: كما أن الإنقلاب ممنوع، فتقييد الحريات والتفرد بالسلطة وإعلان السلطنة ممنوع أيضاً، وهذا ما عبّرت عنه الصورة والإعلام والهتافات وما عبّر عنه أيضاً "قليتش دار" رئيس الحزب الجمهوري في تركيا، وبكل الأحوال ما يجري هو ردود أفعال فورية لا يمكن البناء عليها."
وتابع قائلاً: "لكن الواضح أن المحاولة الإنقلابية هي مؤشر على درجة غليان في الجيش والمجتمع وحتى لو أنها فشلت ولكنها تعكس مؤشراً كبيراً، كما أن تصاعد عمليات حزب العمال الكردستاني خلال الأسبوع المنصرم يدل على حصاد أردوغان من تطهيره للجيش وتهميشه، فهذا الأمر سينعكس ضعفاً في الجيش في مواجهته مع الأكراد، وبعد حين ستبدأ بعض التناقضات في تركيا وهي كثيرة، من تناقضات سياسية ومذهبية بين العلمانيين والمتدينين داخل المؤسسة الإسلامية والتي بلغت درجة التصفيات وهذه سيكون لها آثار سلبية، إضافة للصراع بين الأناضول وأزمير وأسماء الرأسمالية المتأوربة والرأسمالية في الأناضول، عموماً تركيا الآن باتت خزّاناً من المشكلات التي ستظهر بعد ان تذهب نشوة الإنتصار وعمليات التصفية التي قادها أردوغان في مؤسسات الدولة بقطاعاتها المختلفة وفي الجيش فستبدأ عملياً الثغرات والتشققات بعد حين، وما هو جارٍ اليوم في الشكل ربما يفيد شيئاً إنما في المضمون فهو سيؤدي إلى أماكن أخرى."