الوقت- يشير تاريخ البحرين في العقود الأخيرة إلى وجود احتجاجات شعبية متكررة ومستمرة ضد نظام آل خليفة بطرق مختلفة، وقلما شهدت الساحة السياسة لهذا البلد السلام والاستقرار السياسي. ومع ذلك، فإن الاحتجاجات الواسعة النطاق والثورة الشعبية في عام 2011، كانت تحولاً أكبر وأعمق بكثير مقارنة مع الاحتجاجات في العقود الماضية.
لقد بدأت التطورات في البحرين بعد الثورة في تونس ومصر في شمال أفريقيا، ولكن تعود جذور الاحتجاجات الشعبية في البحرين إلي عقود سابقة ونوعية نهج الأسرة الحاكمة، وعلاقات الحكومة والمجتمع بما في ذلك حكم الأقلية على الأغلبية، التمييز السياسي ضد الشيعة، الفوارق الطبقية بين الشيعة والسنة وإحداث التغيير في التركيبة السكانية.
وعلى مدى سنوات الثورة الأربع ، كانت مطالب الشعب والجماعات السياسية المعارضة وخصوصاً الشيعة، متفاوتة في مراحل مختلفة. ففي المرحلة الأولي أصر المحتجون علي الإصلاح السياسي والملكية الدستورية وإزالة رئاسة الوزراء. ولكن بعد هجوم قوات الأمن علي المعتصمين في دوار اللؤلؤة، دخل نهج المعارضين مرحلة جديدة.
بعد أعمال العنف في دوار اللؤلؤة، توسعت دائرة الاحتجاجات الشعبية وشملت غالبية الشعب من الشيعة في البحرين. كما استقال أعضاء جمعية الوفاق المعارضة من البرلمان البحريني أيضاً. وفي هذه المرحلة رفضت مختلف الأحزاب والمجموعات طلب الحكومة لإجراء الحوار مع شروط مسبقة. ومن جملة هذه الشروط المسبقة هي استقالة الحكومة وإنهاء الوجود العسكري في الشوارع وقبول فكرة الملكية الدستورية التي طرحتها جمعية الوفاق المعارضة.
وفي هذه المرحلة انقسمت المعارضة إلى قسمين: القسم الأول بقيادة الوفاق كان يدعو إلي إقامة ملكية دستورية متكونة من ثلاث مجموعات هي "التحالف من أجل الجمهورية". وأما القسم الثاني وهو تيار الوفاء الإسلامي وحركة الحق وحركة أحرار البحرين الإسلامية، فقد طرح خيار إسقاط النظام القائم في البحرين وتأسيس الجمهورية الديمقراطية. طبعاً أثيرت قضايا أخرى أيضاً مثل الإفراج عن السجناء السياسيين، الإصلاح السياسي والتوقف عن التجنيس السياسي للمهاجرين.
والمرحلة الثالثة التي بدأت في 14 من مارس وبعد دخول المتظاهرين إلي مناطق أخرى من العاصمة سوي دوار اللؤلؤة، وقمع الناس بشكل شديد من قبل قوات الأمن البحرينية والأجنبية في إطار قوات درع الجزيرة، أوجدت ظروفاً صعبة للناس، ومنعت تطور الأحداث. ومن الخطوات المهمة للشخصيات والمجموعات المعارضة في هذه المرحلة، هي محاولة التأثير علي الرأي العام والمجتمع الدولي وإطلاعهم علي سلوك نظام آل خليفة، وكانت لهذه الخطوة نتائج إيجابية نسبياً للمجموعات والأحزاب المعارضة.
ومع ذلك في كل هذه المراحل حكمت علي مسار الثورة، عناصر ثابتة مثل الخطاب السائد والأهداف والاستراتيجيات الثابتة تقريباً للجهات الفاعلة، رغم بعض التغييرات التكتيكية والتحولات في المشهد. بحيث كان الخطاب السائد والنهج المتبع في الأزمة البحرينية هو نهج الفوز - الخسارة، بمعني أن أية نقاط وقدرة للأحزاب المعارضة تعني فوز المعارضين وخسارة نظام آل خليفة والعكس صحيح، وايا من الجهات الفاعلة قد جعلت هدفها كطرف في الأزمة، فوز اللاعب المنتمي إلي فريقه وخسارة اللاعب المقابل.
هذا النهج الذي طرحته ودعمته السعودية ونفذه نظام آل خليفة، يهدف إلي الحفاظ علي سياسة البحرين وتركيبة السلطة فيها، من أي تغيير أساسي تفرضه الاحتجاجات المحلية والضغوط الإقليمية والدولية. بحيث تقتصر المساومات والمفاوضات بخصوص التغيير في السياسة البحرينية على القضايا الهامشية وغير الضرورية مثل الامتيازات الاقتصادية والاجتماعية.
وعلي الرغم من أن بعض الأطراف الفاعلة في مشهد التطورات سواء في صفوف الثوار أو في نظام الحكم، حاولت تقديم نهج الفوز- الفوز عن طريق تقسيم السلطة والإصلاحات على أساس المفاوضات والحوار مع آل خليفة، إلا أن ذلك قد أخفق نتيجة المقاربة الأمنية لآل خليفة وفقدان العناصر الضرورية والكافية.
وفي هذه الأثناء أدي وجود عوامل مثل عدم توحد المعارضة البحرينية وتبعثرها، وعدم اتصال هذا البلد بالموارد الأرضية الفعالة وأخيراً استمرار الدعم الخارجي لنظام آل خليفة، أدي إلي تأكيد آل خليفة علي نهج الفوز – الخسارة والامتناع عن أي تنازل سياسي كبير لصالح المعارضة، والإقدام علي مزيد من الاعتقالات والمحاكمات بحق المعارضين.
فالحرب في سوريا وفي المناطق التي يتواجد فيها أكراد حصةٌ منها، وفرت مناخاً ملائماً لمقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي وشجعهم أكثر من أي وقت مضى على الإستمرار وتصعيد عملياتهم المسلحة ضد الجيش التركي، فهؤلاء المقاتلين وجدوا في مناطق أشقائهم الأكراد السوريين ملاذاً آخر يضاف إلى الملاذ العراقي الذي يمثل القاعدة الرئيسية لهم، فهذه المناطق تحتضنهم وتوفر لهم الغطاء المعنوي والمادي أيضاً، والأمر الذي يفتقدون له في وطنهم، فأشقاؤهم الأكراد الأتراك يعيشون المعاناة والاضطهاد القومي على أيدي القادة الأتراك.
إذاً يبقى السؤال الأبرز، كيف يمكن إخراج تركيا من حالة الصدام المستمر مع حزب العمال المدعوم من أبناء الشعب الكردي في جميع المناطق التي يوجدون فيها، بما في ذلك خارج تركيا، والحكومة التركية أصرت ومازالت تصر على التعاطي مع المطالب الكردية المشروعة على أنها قضية تمس الأمن القومي التركي، وأن نضال أكراد تركيا يستهدف تقسيم الدولة التركية؟ بالطبع مثل هذا الموقف وهذه العقلية لن يقودا إلى أي حل بين الطرفين. وبالتالي، هل ستتفجر الأوضاع في تركيا في ظل ما تشهده المنطقة من تغيرات؟ سؤالٌ تجيب عليه الأيام المقبلة.