لدى أمريكا اليوم أسباب منطقية للقلق بشأن السعودية، فهذا الحليف الاستراتيجي المهم و"الدجاجة التي تبيض ذهباً"، بدأت تتحول اليوم إلى عبء كبير، خاصة وأنها توفر البيئة "لتفريخ الارهابين" كما أشار الأسبوع الماضي مدير المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، في كلمة له أمام معهد بروكنغز.
أكثر ما يثير المخاوف الأمريكية، ليس السياسة السعودية التي يمكن أن تستجيب للمتغيرات وفقاً للمصالح، بل هو المجتمع السعودي والثقافة الوهابية التي نشأ عليها، والتي روج لها آل سعود منذ قيام دولتهم، ثم غذوها وساعدو على انتشارها كوسيلة للتصدي لأفكار الثورة الاسلامية في إيران عام 1979، ومواجهة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، ومن ثم أفرطوا في دعمها خلال السنوات الماضية بهدف استخدام هذا الفكر المتطرف كوسيلة للإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، وتبرير حربهم على اليمن، وقمعهم لشعب البحرين.
فقد أبدى جون برينان مدير المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، مخاوفه من البيئة السعودية المساعدة على احتضان الارهاب، وقال في كلمة له في معهد بروكنغز الأربعاء 13 يوليو/تموز، إنه في الماضي تم استغلال ميزات المجتمع التقليدي في السعودية، لـ"لتفريخ إرهابيين".
وأضاف برينان أن أولئك الذين كانوا يبحثون عن "منصة وثب" للأنشطة الإرهابية والمتشددة، استغلوا "منظمات مدعومة من قبل الرياض"، عندما كانت السعودية تروج لرؤيتها المحافظة للإسلام لتتصدى لتصدير الدعاية الإيرانية بعد ثورة 1979.
وبالرغم من أن أمريكا كانت ولعقود من الزمن أكبر المستفيدين من انتشار الفكر الوهابي المتشدد الذي ترعاه السعودية، ومازالت حتى اليوم تحرص على عدم توجيه ضربات قاصمة للجماعات المتشربة بهذا الفكر والمتمثلة بجماعات داعش والقاعدة بفروعها في سوريا واليمن، وذلك بهدف توظيف الارهاب لنشر الفوضى الخلاقة وإضعاف الخصوم، إلا أن قلقها اليوم ناجم من انفلات عقال هذه الجماعات الارهابية، وعدم قدرة السعودية على ضبطها والتحكم بها كما في السابق، حتى أن السعودية نفسها لم تسلم من نيران هذه الجماعات.
ولم يعد بمقدور الإدارة الأمريكية تلبية مطالب السعودية الكثيرة التي توقع المنطقة بالأزمات، وأصبح أمن واستقرار المملكة السعودية هاجساً لدى الإدارة الأمريكية التي تخشى على مصالحها الحيوية في منطقة الخليج، وقواعدها العسكرية التي ينتشر العدد الأكبر منها في السعودية.
والجدير بالذكر أن أمريكا تجنبت إقحام نفسها في العديد من المغامرات السعودية، فقد رفضت شن هجوم عسكري بري على سوريا للاطاحة بالرئيس بشار الأسد، خاصة بعد عودة الروس إلى لعب دور فاعل في الساحة الدولية والاقليمية، كما لم تستجب أمريكا لمطالب السعودية بالتدخل المباشر في العدوان على اليمن، واكتفت بتوفير الغطاء للسعودية وحمايتها من أي إدانة أو عقوبات دولية.
ما تريد أمريكا من السعودية أن تفهمه هو أن الدور الأمريكي لن يكون دائماً في خدمة آل سعود، وعلى آل سعود تجنب تشكيل عبء على المصالح الأمريكية في المنطقة. وقد طالب "برينان" صراحة من السعودية تغيير عقليتها، وتكييف مجتمعها مع القرن الحادي والعشرين، على حد تعبيره، محذرا من مخاطر تنظيم "داعش الارهابي" على أمن المملكة.
حيث قال مدير المخابرات المركزية الأمريكية: "لا يوجد هناك مفتاح كهربائي يسمح بنقل دولة مثل السعودية، التي كان الجيل السابق فيها يعيش في بيئة تقليدية جدا (إلى القرن الحادي والعشرين) بين ليلة وضحاها. واليوم توجد لديهم كافة المظاهر السطحية لعملية التحديث، لكن البيئة والثقافة والمجتمع والتقاليد الدينية مازالت غير مكيفة مع القرن الحادي والعشرين، وذلك من المهمات التي يتعين على السعوديين القيام بها".
وفي ضوء التفجيرات الانتحارية التي تعرضت لها السعودية في كل من المدينة المنورة وجدة والقطيف في 3 يوليو/تموز الماضي، حمل برينان تنظيم "داعش" الارهابي مسؤولية الهجوم، وقال أن الهجمات التي وقعت في السعودية في الآونة الأخيرة تحمل بصمات "داعش"، مضيفا أن التنظيم يعد خطرا كبيرا ليس على الولايات المتحدة وأوروبا فحسب، بل وفي داخل السعودية.
من ناحية أخرى يتحدث مراقبون عن مخاوف سعودية تجاه السياسة الأمريكية التي تتجنب المراهنة على الحصان الخاسر، خاصة في ظل الأزمات الداخلية والخارجية التي يعاني منها الحكم السعودي، الأمر الذي يفسر التقرب السعودي من الكيان الاسرائيلي، بحثا عن حليف استراتيجي جديد، يؤمن لها الحماية.