الوقت - انتهجت السعودية منذ نشأتها، سياسة التحريض المذهبي ضد الدول والأحزاب والقوى التي لا تلتقي مع مصالحها، هذه السياسة النابعة من التحالف التقليدي القديم بين العائلة السعودية الحاكمة والحركة الوهابية، أسهمت بشكل كبير في ضرب التعايش والتآلف بين شرائح المجتمع الاسلامي، وتعزيز الانقسام والصراعات والفتن المذهبية، الأمر الذي ترك انعكاسات خطيرة سواء على استقرار دول المنطقة وحتى على الداخل السعودي.
وقد أتقن آل سعود استخدام سياسة التحريض المذهبي النابع من الفكر الوهابي كأداة يشهرونها متى اقتضت مصالحهم، ففي حين تقود السعودية اليوم تعبئة طائفية ضد الجمهورية الاسلامية الإيرانية ودول العراق وسوريا واليمن، تحت دعوى أن هؤلاء من الشيعة الرافضة، لم يكن هذا دأبهم في علاقاتهم مع شاه إيران الشيعي أو إمام اليمن الزيدي، طالما أن هنالك نقاط التقاء بين هذه الأطراف وهي الخضوع للهيمنة الأمريكية، في دليل واضح على أن السياسة السعودية تنبع من خلفية سياسية مصلحية وليس من خلفية دينية.
ومن المعلوم اليوم أن الخلفية الفكرية لدى الجماعات الارهابية المتطرفة التي تنتشر اليوم في عالمنا الاسلامي، إنما ترتكز على الفكر الوهابي الذي ترعرع في أحضان النظام السعودي؛ وهذا الفكر الذي يقوم على تكفير الطرف الآخر هو ما أدى إلى نشر الفوضى والارهاب وتعزيز الانقسام ليس فقط في الدول والأماكن ذات التنوع المذهبي كسوريا والعراق، بل حتى في الدول التي تُعتبر من نسيج مذهب واحد، كليبيا وسيناء.
وقد بذل النظام السعودي جهوداً كبيرة في ترويج الفكر الوهابي في الأماكن التي تهمه، معتمداً بشكل أساسي على عاملين أساسيين، هما الاعلام وتمويل المدارس الدينية؛ فقد سخّرت السعودية آلتها الاعلامية الضخمة من أجل نشر أفكار المذهب الوهابي، ومولت عشرات الفضائيات الوهابية التي ركزت هجومها الشرس على الشيعة وتكفيرهم أو معظم فرقهم، ووفرت هذه الفضائيات التي تناسلت بسرعة غير عادية المنابر لدعاة متشددين وطائفيين ليصولوا ويجولوا دون حسيب، ويبثوا سمومهم الطائفية في كل حدب وصوب.
ومن ناحية أخرى عملت السعودية على تمويل المدارس الدينية في العديد من دول المنطقة لاسيما في باكستان وأفغانستان، كما عملت على استغلال حالة الفقر والبطالة في تلك المناطق، لدفع الطلاب للالتحاق بهذه المدارس، الأمر الذي أسهم بدرجة كبيرة في تشكيل بيئة حاضنة للارهاب عبر العالم.
ويشير مراقبون أن هناك تبرّم واضح من حلفاء السعودية سواء الأمريكيين أو الباكستانيين من سياسة الشحن الطائفي التي تثيرها السعودية عبر الترويج للحركة الوهابية، حيث بدأت هذه السياسة تشكل خطر على أمن واستقرار حلفاء السعودية، وقد جاء في برقيات دبلوماسية مسربة لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون في العام 2009 أن المانحين السعوديين “هم اكبر مصدر لتمويل الجماعات الإرهابية في العالم”.
النظام السعودي عراب "الحروب المقدسة" على العراق وسوريا واليمن
إن سياسة التحريض الطائفي الذي غذته الحركة الوهابية في كل من العراق وسوريا واليمن، لعبت دوراً كبيراً في تسعير الشحن الطائفي في المنطقة، وأدت إلى كثير من أعمال العنف أودت بحياة مئات الآلاف من الأبرياء في هذه البلدان، فقد عملت وسائل الاعلام الوهابية المدعومة من السعودية على شيطنة الأنظمة في سوريا والعراق ووصفها بأنها أنظمة كافرة، معتبرة أن مقارعة هذه الأنظمة واجب ديني، كما سهلت السعودية انتقال آلاف الارهابيين إلى الأراضي السورية والعراقية، من خلال الترويج لأن الحرب في تلك البلاد هي حرب مقدسة.
وفي اليمن، فمنذ اليوم الأول للعدوان السعودي على هذا البلد المسالم الفقير، انتهج الاعلام السعودي والخليجي بشكل عام خطاباً طائفياً، ضد الشعب اليمني، وقد خرج خطيب الحرم المكي، الوهابي عبدالرحمن السديس ليبرر العدوان على اليمن تحت شعارات حرب السنة مع الشيعة، في خطاب يحرض على الكراهية والفتنة بشكل واضح ومفضوح، وكان السديس قد قال: " حربنا مع ايران هي حرب بين السنة والشيعة وهي طائفية بجدارة وان لم تكن طائفية جعلناها طائفية"، وقد عمل النظام السعودي على تحشيد الدول السنية خلفه في عدوانه على اليمن، الأمر الذي لم يتم له بسبب رفض كل من باكستان ومصر ارسال جيوشهم للمشاركة في العدوان على اليمن، كما دعمت السعودية تنظيم القاعدة في اليمن ومدته بالسلاح والعتاد لمحاربة الجيش اليمني واللجان الشعبية، مستكملة بذلك لنهجها القديم الجديد في بث الفتن الطائفية بغية إضعاف من تعتقد أنهم خصومها.
الشحن الطائفي في الداخل السعودي
وفي الداخل السعودي تسبب الفكر الوهابي في السعودية من خلال أدواته الاعلامية، بشحن الرأي الداخلي وبث التحريض والكراهية ضد الاقليات المذهبية في البلاد وخاصة الأقلية الشيعية، وتصوير هذه الشريحة التي تبلغ 15% من المجتمع السعودي على أنهم طابور خامس يأتمر بأمر إيران، وكان للتعبئة الطائفية التي قامت بها السعودية ضد النظام السوري والعراقي، الأثر الكبير في تصعيد هذا الشحن الطائفي داخل المملكة، الأمر الذي تُرجم عملياً على شكل أعمال عنف ضد أبناء الطائفة الشيعية في السعودية، حيث شهدت المنطقة الشرقية في السعودية ذات الغالبية الشيعية عدة تفجيرات ارهابية، كان آخرها الهجوم الذي نفّذه انتحاري ينتمي لتنظيم داعش الارهابي، في مسجد الإمام علي (ع) بالقديح في منطقة القطيف في السعودية، أثناء أداء جمع من المصلين لمراسم صلاة الجمعة في 22 مايو/ أيار الماضي.
وقد حملت المنظمات الدولية الجهات الحكومية في السعودية المسؤولية عما حصل، حيث أصدرت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان بياناً، اعتبرت فيه أن التفجيرات التي حدثت في السعودية هي نتيجة لممارسات التكفير والتحريض والكراهية التي تشترك فيها مؤسسات رسمية و وزارات منها: "وزارة الداخلية" و "وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد" و "وزارة الثقافة الإعلام" و "هيئة كبار العلماء" و "وزارة العدل". وأضاف البيان بأن بعض أفراد الأسرة الحاكمة كان لهم مواقف تحمل دلالات طائفية ضد شيعة السعودية.
وأدانت المنظمات المساعي السعودية المناهضة للتسامح والتواصل بين السنة و الشيعة بما فيها إصدار بعض القرارات الرسمية المسيئة للتعايش السلمي بين المواطنين، كإصدار القضاء السعودي في 03/11/2014 حكما بالسجن سنتين و 200 جلدة على الناشط الحقوقي مخلف الشمري لعدة أسباب منها مجالسته للشيعة.
فيما أدانت منظمات حقوقية أخرى التمييز الذي تمارسه السعودية ضد الاقليات الشيعية والاسماعيلية في البلاد، حيث يشمل التمييز الممارسة الدينية، والتربية، والمنظومة القضائية. وتشير التقارير إلى أن المسؤولين الحكوميين يعمدون إلى إقصاء الشيعة من بعض الوظائف العامة ومسائل التخطيط، من خلال الرفض العلني لمذهبهم.
وفي إطار سياسة الشحن الطائفي الذي تنتهجه السعودية، أصدر الجهاز القضائي أحكاماً مجحفة بحق العديد من النشطاء الشيعة، كما أصدرت السعودية حكماً بالاعدام على عالم الدين الشيعي نمر باقر النمر، الأمر الذي عزز من حالة الشحن الطائفي في البلاد.
ارتدادات على استقرار الحكم السعودي
هذا التبنّي السعودي للنهج الوهابي في التعامل مع مكونات المجتمع في المملكة، يبدو أنه بدأ يشكل خطراً على استقرار الحكم السعودي برمته، حيث رصدت استطلاعات الرأي أن غالبية الشباب السعودي يؤيد تنظيم داعش الارهابي، والذي نفذ عدة عمليات ارهابية في الداخل السعودي خلال العام المنصرم، كما ان الجهاديين العائدين من العراق وسوريا، يشكلون أيضا مصدر تهديد للحكم السعودي.
من ناحية أخرى لا يبدو أن الخطوات التي اتخذتها السعودية في مجال "مكافحة الارهاب" كافية لإرساء الاستقرار في الداخل، إذا أن مكافحة الارهاب تستلزم مراجعات وإضافة اجراءات قانونية متعددة من شأنها ان توفر للاقليات المذهبية الحماية و الوقاية من الاستهداف الذي يتهددها بشكل مستمر ومتصاعد، كما انه ينبغي إيقاف ومحاسبة التحريض والكراهية التي تصدر من مؤسسات الدولة الرسمية ومنسوبيها.
خاتمة:
على النظام السعودي أن يدرك أن سياسة نشر الفتن والحروب في دول الجوار لا شك سوف تنعكس بشكل سلبي على استقرار السعودية نفسها، حيث لا يمكن لهذا النظام أن يحصن نفسه من الارهاب مالم ينتهج سياسة مغايرة تجاه الحركة الوهابية، والعمل على ارساء علاقات حسن جوار مع دول المنطقة تقوم على الاحترام المتبادل.