تطرق تركي الفيصل، الرئيس السابق للإستخبارات السعودية، إلى عددٍ من الملفات في المنطقة والعالم، لا سيما تلك التي يعتبرها تهديداً على الأمن القومي السعودي. فيما كان كلامه خلال مناظرةٍ جمعت بينه وبين الجنرال الإسرائيلي يعقوب أميدرور، مستشار الأمن القومي السابق لحكومة نتنياهو، والتي نظمها معهد واشنطن للسياسات الشرق الأدنى. وهنا فليس جديداً التوجه السعودي، فيما يجب تسليط الضوء عليه من بوابة قراءة المستقبل ومعرفة حقيقة العلاقة الوطيدة بين الطرفين. فماذا في الحوار الذي جمعته المناظرة بين الطرفين؟ وكيف يمكن تحليل ذلك؟
المناظرة: تناغمٌ سعوديٌ إسرائيلي
إعتبر الفيصل، أن حصانة الدول العربية أمام التحديات سواء أكان مصدرها ايران أو أي مصدر آخر تكون أقوى في ظل التعاون مع الكيان الإسرائيلي، مشيراً إلى أن الأخيرة لديها سلام مع العالم العربي أساسه مبادرة السلام العربية المقدمة من السعودية في العام 2002. كما دعا حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للإمساك بهذا العرض، والعمل عليه ليس فقط مع أميركا، بل أيضا مع العالم العربي لتأسيس هذا السلام المزعوم بنظره. ولم يُخف الفيصل وحدة الرؤيا التي تجمع الطرفين الإسرائيلي والسعودي، لا سيما فيما يخص التحديات والتهديدات. والتي اعتبر أن إيران تُشكِّل مصدر هذه التهديدات، مؤكداً على وجوب بناء العلاقات المتينة مع الكيان الإسرائيلي لمحاربة ذلك.
لكن طرحاً بارزاً خرج الى العلن، وإن كان يمكن اعتباره ليس بجديد، لكنه يصف حقيقة العلاقة بين الطرفين الإسرائيلي والسعودي، وهو، إشارة الفيصل الى أنه كان يُشدد دائماً أنه بالتعاون السعودي الإسرائيلي من خلال المال والتخطيط، يمكن المضي قدماً بصورة جيدة، خصوصاً في المجالات العلمية والتكنولوجية والمسائل الإنسانية، والعديد من الأمور الأخرى التي بحاجة إلى النظر إليها.
وفيما يخص العلاقات السعودية الأمريكية فلم يُخف الفيصل وجود خلافات، وهو الأمر الذي كان واضحاً في كلامه، حيث أشار الى أن الظرف العام تغير الآن، وعليه لا بد من وجود إعادة تقييم للعلاقات السعودية مع واشنطن. فبنظر الفيصل فإن أمريكا تغيرت كما تغير الطرف السعودي أيضاً في المنطقة، منذ تحرير الكويت قبل 25 عاماً.
من جهته كان الجنرال الإسرائيلي مُتناغماً مع الطرف السعودي، معتبراً أن القلق من الملف الإيراني يكمن في إمكانية أن تُصبح في يومٍ من الأيام قوة نووية، سواء عبر خرق الإتفاق أو في نهاية الإتفاق بعد عشرة أو 15 عاماً. معتبراً طهران التهديد الأكبر لكيانه، مُلمحاً الى أن قيادة الكيان الإسرائيلي لن يسمحوا ببقاء هذا التهديد، بمساعدة الأمريكيين أو من دونهم.
كما أن الطرف الإسرائيلي شارك الفيصل في مسألة وجود اختلافات مع واشنطن، لكنه أكد عن عدم وجود بديلٍ للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط. وهو ما فسَّره البعض بأنه رسالةٌ موجهة لموسكو. وفي حديثه عن تفاصيل العلاقات، فقد أشار الى أنها لا تمر مباشرة من خلال البيت الأبيض ولكن عبر الشعب الأمريكي. وهو ما يدل على حجم المساعي الإسرائيلية في التأثير من خلال اللوبي الصهيوني. مؤكداً على أن الرؤساء يأتون ويذهبون، ولهذا يجب المحافظة على قوة العلاقات مع الشعب الأمريكي. وفي حديثه عن الخلافات لفت الجنرال الإسرائيلي، إلى أنه رغم الخلافات الموجودة، فهناك علاقات قوية في العديد من الأمور التي تُعتبر في غاية الأهمية بالنسبة للكيان الإسرائيلي لا سيما في مجال التعاون الإستخباراتي والمعلوماتي.
ولم يُخف المسؤول الإسرائيلي خوف تل أبيب من دعم إيران لحزب الله، مُشيراً الى اعتقاده بأن أي حربٍ مستقبلية مع الحزب ستكون مُدمِّرة. فيما أشار أيضاً الى الخطر الكامن في تحصين الجولان السوري، وجعله مُقدمة لمهاجمة الكيان الإسرائيلي. وأكد على وجود التعاون الإسرائيلي الأمريكي فيما يخص بناء إيران وحزب الله لشبكات للإرهاب حول العالم، من أفريقيا إلى آسيا، ومن آسيا إلى أوروبا.
تحليلٌ ودلالات
لا شك بأن التناغم بين الطرفين كان واضحاً، فيما يجب الإشارة لبعض النقاط:
- ظهر الفيصل كالذي يتسول العلاقة مع تل أبيب. وهو الأمر الذي يمكن الإستدلال عليه من خلال عتابه الواضح لحكومة نتنياهو، لعدم توجهها كما يجب بحسب قوله، لترسيخ العلاقة مع الرياض. وهو الأمر الذي يؤكد مرةً أخرى، حجم التوافق الضمني والجوهري في كافة الملفات، ولو كان هناك بعض الإختلاف فيما يخص الرؤية الإسرائيلية للكيان العربي عموماً.
- من جهةٍ أخرى فإن المخاطر التي تجمع الطرفين لا سيما إيران وحزب الله كانت واضحة. وهو الأمر الذي يُفسِّر حجم التضييق الإقليمي والدولي على حزب الله، الى جانب الحملة المُبرمجة التي تتشارك فيها الرياض مع تل أبيب في محاولةٍ للنيل من تعاظم الدور الإيراني.
- على صعيدٍ آخر فقد ظهر بأن القلق الإسرائيلي من إيران هو قلقٌ على الكيان والوجود، فيما كان كلام الفيصل أقرب للحديث عن الدور والنفوذ. وهو الأمر الذي يمكن أن يكون نتيجة السياسة الإيرانية الواضحة، والتي تعتبر من الكيان الإسرائيلي عدواً يجب إزالته من الوجود، كونه السبب في كل مصائب المنطقة. فيما تتعاطى طهران مع الطرف السعودي كدولةٍ عربية يجب التعاون معها من منطلق ترسيخ الوحدة الإسلامية وتحصين العالمين العربي والإسلامي.
- وهنا فإنه وعلى الرغم من وضوح السياسة والهدف لدى طهران، فإن الرياض لا تضع في أولوياتها التعاون المشترك أو مصلحة الشعوب العربية والإسلامية. بل إنها تسعى للسيطرة على مُقدرات الشعب العربي، وهو ما ظهر في كلٍ من اليمن وسوريا. لذلك ليس لدى الرياض أي مشكلة في التعاون مع عدو العرب والمسلمين، طالما أنها تعتقد بأن ذلك قد يخدم مصالحها كنظام (آل سعود).
لقد رأى العالم بأسره كيف جلس الطرفان وتحادثا. فلم يعد غريباً القول بأن العلاقة بين الرياض وتل أبيب هي علاقة تتخطى الحاضر، بل نبعت من التاريخ وماتزال مستمرةً نحو المستقبل. فما يجمع الطرفين تهديداتٌ مشتركة وخوفٌ على الوجود والأدوار. لذلك يمكن اختصار المشهد بأن ما بين تركي الفيصل ويعقوب أميدور، علاقةٌ تتخطى المال وترتكز على التخطيط المُشترك.