الوقت- مرّ أكثر من سبعة أشهر على إعلان قوات التحالف السعودي بدء "معركة تحرير صنعاء" عبر بوابتها الشرقية التي تربطها بمحافظتي مارب والجوف. معركة تعوّل عليها الرياض سياسياً وعسكرياً لحسم المعركة والخروج بعد اكثر من 473 يوماً على العدوان "منتصرةً" من المعركة التي أكّد المتحدث باسم عاصفة الحزم، أحمد العسيري، أنها لن تمتد لأكثر من بضعة أيام.
مؤخراً، وعلى وقع إعلان المبعوث الأممي إلى اليمن "اسماعيل ولد الشيخ"، تعليق المفاوضات بين الأطراف اليمنية في الكويت 15 يوماً، وإستكمالها من جديد في 15 يوليو تموز الجاري، سيطرت "معركة صنعاء" من جديدة على الخطوط العريضة للإعلام، وبات الحديث عن دخول صنعاء مسألة وقت لا أكثر.
السعودية دأبت خلال الأيام الماضية، تماماً كما هو الحال في كافّة الهدن السابقة، على تحقيق انتصارات ميدانية تسمح لها بفرض شروطها على طاولة قصر البيان الأميري في الكويت، وقد تركّزت هذه الجهود على "مفرق الجوف" التابع إداريا لمديرية "مجزر" بمحافظة مأرب شرق صنعاء و"فرضة نهم" شمال شرق العاصمة، تارةً عبر استقدام تعزيزات إلى أسفل "فرضة نهم" قادمة من معسكر تداوين بمارب، وأخرى عبر الغارات العسكرية حيث نفّذت الطائرات السعودية في أول أيام عيد الفطر عشرات الغارات تركّزت على خمس محافظات.
تكمن الأهمية الاستراتيجية لهذه المناطق بالنسبة للسعودية باعتبارها البوابة الشرقية للعاصمة صنعاء، فـ"مفرق الجوف"، أو مثلث الجوف، الذي يقع على الطريق السريع الذي يربط العاصمة صنعاء بمحافظة مأرب، وعلى مقربة من مديرية نهم، يربط بين ثلاث محافظات هي مأرب والجوف وصنعاء، كما إن السيطرة عليه تسهل على المقاتلين التنقل بين هذه المحافظات الثلاث، في حين أن فرضة نهم عبارة عن سلسلة جبلية شاهقة ووعرة تطل على صنعاء من الجهة الشرقية وتسهّل السيطرة والرصد الناري للعاصمة.
المعركة التي لم تبدأ
سير المعارك في الأيام الثلاث الماضية، رسّخ نيّة السعودية في حسم معركة صنعاء، وبالفعل كان لها ما تريد، حيث نجحت قوات الجيش واللجان الشعبية في إعادة المعركة إلى المربّع الأول وحسمت المعركة قبل بدايتها بعد إستهداف قوات المرتزقة القادمة من مأرب إلى "فرضة نهم" بصواريخ باليستية مساء الجمعة والسبت ما أدى إلى الحاق خسائر كبيرة فيها، ومن ثم سيطرة اللجان الشعبية بمساندة الحرب الجمهوري على مفترق طرق مأرب-الجوف صباح أمس السبت بعد معركة عنيفة مع مرتزقة العدوان، ما يعني ترك عدة وحدات من المرتزقة محاصرين في مديرية نهم.
في التفاصيل، يوضح مصدر عسكري أن وحدات الرصد في الجيش أعلمت القوة الصاروخية بالإحداثيات العسكرية لمجاميع عسكرية ضخمة قادمة من مأرب، تتواجد أسفل "فرضة نهم" من جهة المحافظة المذكورة، لتباغتها هذه القوات بصاروخ باليستي حقّق هدفه بدقّة عالية. وأما في مفرق الجوف حيث خط التماس مع مارب ونهم وجّهت القوة الصاروخية ضربة موجعة عبر صواريخ "زلزال"، لتستكمل بعدها معركة شرسة إنتهت أمس السبت بسيطرة الجيش على هذه المنطقة الاستراتيجية.
لا ريب في أن قوى المرتزقة، ومن خلفها السعودية، ستدأب على استعادة هذه المنطقة المفصلية في الأزمة اليمنية، خاصّة أن الوقت الضيّق لوقف المفاوضات لا يسمح بهدر الوقت. هنا لا نستغرب أن تعمد الرياض لتمديد وقف المفاوضات إلى ما بعد 15 يوليو/تموز، إلا أنه من المؤكد عدم وجود متّسع كافِ من الوقت لتمرير المشروع السعودي، الأمر الذي دفع ببعض الخبراء للقول إثر سيطرة الجيش واللجان على "مفرق الجوف" الاستراتيجي: "لقد قُطعت أهم إمدادات معركة صنعاء، وبالتالي نعتقد شطبها عن الخريطة العسكرية، لأن قوات الجيش واللجان حسمت المعركة لأشهر قادمة".
مقابل الدأب السعودي للوصول إلى تخوم صنعاء، لن تكتفي القوى العسكرية الوطنية بقطع الخط الرابط بين "فرضة نهم" و "مفرق الجوف" حيث حاولت قوى العدوان إحداث خرق بإتجاه العاصمة، بل هناك جهود مكثّفة إلى التقدّم المستمر والوقوف أمام التعزيزات، وضرب الخطوط الخلفية لها في مارب (معسكر تداوين) والجوف (الحزم).
منذ شهور قيل وكتب أن "معركة صنعاء" ستحسم قريبا. اليوم، تُردّد السمفونية ذاتها، إلا أن نتائج الميدان تؤكد أنها ستتلقى المصير ذاته، لنعود إلى نقطة الصفر جديد.