الوقت- يقول المثل اللبناني القديم "عصفور باليد أفضل من عشرة على الشجرة"، فبين أن يقبل بما في اليد أو يصطاد ما على الشجرة، أضاع لبنان بمسؤوليه الهبة الايرانية التي أعلن عنها الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الأميرال علي شمخاني خلال زيارته بيروت، هبة أعلنت ايران في أكثر من مناسبة أنها بمثابة هدية لجيش وطني باسل وقف بوجه التهديدات و دافع عن لبنان بكل ما أوتي من قوة، هبة بعيدة كل البعد عن الامتيازات السياسية أو بازار المصالح الضيقة. رغم تلك التطمينات الايرانية و رغم الحاجة الماسة لتسليح الجيش خصوصا في هذه المرحلة الحساسة حيث تشتعل جبهة عرسال و رأس بعلبك بين الحين و الاخر و يواجه جنود الجيش و ضباطه هجوم الجماعات التكفيرية بالأسلحة الخفيفة و المتوسطة و المدافع البدائية، ليس تقصيرا انما هذا ما يتوفر في مستودعات الجيش القليلة.
وفيما يؤكد البعض في لبنان ان الهبة الايرانية حاجة ضرورية وملحة للجيش وتؤدي الغايات المطلوبة لتسليحه ورفع جهوزيته لحماية البلد وهذا هو بيت القصيد، يذهب فريق للتهرب من قبول هذه الهبة وللتصويب عليها منطلقا من اسباب ربطها بالعقوبات الدولية على ايران وان لبنان لا يحمل الضغوط الدولية جراء ذلك، متناسيا الهم الاساسي الا وهو حماية لبنان وتقوية جيشه، تاركا الجيش ضباطا وعناصر في مهب الاستهداف الارهابي المتواصل.
و على الرغم من وجود اطراف سياسية و شركاء في الحكومة اللبنانية يرفضون فكرة البحث في الهبة الايرانية للجيش، برز حراك لوزير الدفاع الوطني اللبناني سمير مقبل مضمونه جمع المعلومات الكافية عن الهبة الايرانية، ما قاده الى زيارة طهران تلبية لدعوة من نظيره الايراني للاطلاع على منتجات الصناعة العسكرية الايرانية وما يمكن ان تقدمه هذه الدولة الشقيقة للبنان، حتى ان موضوع الهبة الايرانية جرى البحث به في اللقاء المفاجئ الذي جمع الوزير مقبل بالامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حيث أكد السيد نصر الله على كل الدعم للجيش اللبناني، كما جرى البحث في تفاصيل الهبة الايرانية وعدم ارتباطها بأي شروط سياسية او غير سياسية، وقد عبّر الوزير مقبل عن تأييده لخيار قبول الهبة التي توقفت عند أبواب مجلس الوزراء بفعل معارضة "تيار المستقبل" وقوى "14 آذار" لها.
أما على صعيد الهبة السعودية التي لم تبصر النور في زمن الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز فيستبعد المحللون أن تستكمل اجراءاتها في عهد الملك الجديد، خصوصا بعد التسريبات التي تحدثت عن طلب أوباما شخصيا من الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز ايقاف الهبة التي كان من المقرر أن تحصل بتمويل سعودي و أسلحة فرنسية، و قد تحدث عن الموضوع رئيس تيار المردة سليمان فرنجية قائلا"عندما زار الرئيس الاميركي السعودية طارت الهبة (3 مليارات) وهو ما لم يلتفت اليه اللبنانيون واليوم اعطونا مليار دولار وهي مخصصة لشراء معدات"، واضاف:"أن الهبة السعودية من هالك لمالك لقباض الارواح".
الهبة السعودية التي اصطدمت بالعراقيل منذ الاعلان عنها بعد زيارة رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال سليمان الى السعودية في كانون الأول/ ديسمبر 2013م في طريقها الى النسيان كأخواتها من الهبات التي لم ير منها الجيش اللبناني طلقة واحدة.
فبعد تقديم الهبة من السعودية و الاتفاق على أن تكون فرنسا هي الدولة المسلحة، اتفق الأطراف على البدأ بتسليم الأسلحة فور التوقيع على الاتفاقية و من ثم أجلت فرنسا تقديم السلاح بحجة أنها تريد وقت لتصنيعه فهي لا يمكن أن تفرغ مخازنها و تعطي لبنان سلاح جاهز، و كأن تسليح الجيش اللبناني سيفرغ المخازن الفرنسية!!
و بعدها نامت الهبة في جوارير السياسة بايعاز أمريكي اسرائيلي الى أن توفي عبدالله بن عبد العزيز لتدفن الهبة معه.
شهد لبنان مؤخرا تقديمات ملغومة من الحكومة الأمريكية و الفرنسية لدعم قوى الأمن الداخلي و الجيش اللبناني بالمعدات البسيطة و التي قبضت ثمنها من الثلاث مليارات "قيمة الهبة السعودية"، الا أنها لا تشبع أدنى احتياجات القوى الأمنية لمواجهة المد التكفيري الذي يهدد لبنان و شعبه، أما التسليح الأساسي الذي انتظره لبنان من خلال الهبة السعودية و الأسلحة الفرنسية المتطورة فقد اصطدم بفيتو كون الحكومة الاسرائيلية تخشى من حصول الجيش اللبناني على سلاح قد يستعمله ضدها في حال حصول حرب جديدة مع لبنان أو تجاوزات اسرائيلية تستوجب الرد، و من المعروف عن الجيش اللبناني علاقته الطيبة بحزب الله خصوصا بعد تكريس الثلاثية الذهبية لحماية لبنان " مقاومة، جيش، شعب ".
أخيرا و من باب الاستنكار يطرح السؤال الى متى سيبقى لبنان رهينة لضغوط الخارج من "أصدقاء" عدوه الاسرائيلي؟ وإلى متى هذا الحرج من دول لمتقدم للبنان ما يحمي ابناءه من العسكريين الذين دفعوا دماءهم على مذبح الوطن بصدور عارية أمام ارهاب صنعه من يرفض تسليح الجيش و يمنعه من قبول الهبة الايرانية من خلال حجج واهية؟ وأليس الضغط الاميركي والغربي على لبنان لرفض هذه الهبة الايرانية، هو دليل ان كل ما يجري من حولنا يصب بشكل او بآخر في مصلحة العدو الصهيوني؟