الوقت - كشفت مجلة "وول ستريت جورنال" الأمريكية الخميس الماضي 16 يونيو/حزيران، أن أكثر من 50 موظفا في وزارة الخارجية الأمريكية وجهوا وثيقة داخلية "سرية" للرئيس باراك أوباما دعوا فيها لإجراء عملية عسكرية ضد قوات الحكومة السورية. وأعرب الموقعون على الوثيقة عن استيائهم واحتجاجهم على السياسة الأمريكية اللينة المعتمدة برأيهم تجاه ما يحصل في سوريا، وطالبوا من خلالها باعتماد اجراءات لإستهداف قوات الجيش السوري وحلفائه كسبيل لتغيير النظام في سوريا والذي يعتبر وفقاً لمزاعمهم الطريق لدحر "داعش". ووفقاً للمسؤولين الذين اطلعوا على الوثيقة، فإن معظم الموقعين عليها هم من مسؤولي الوزارة متوسطي المستوى، فيما لم يات ذكر لشخصيات وازنة في الخارجية الأمريكية من ضمن الموقعين.
من جانبه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي كان يزور الدنمارك عشية انتشار الخبر، وصف المذكرة الداخلية التي وقع عليها أكثر من 50 موظفا في وزارة الخارجية الأمريكية، بأنها "بيان هام"، مؤكدا أنه سيبحث مضمون المذكرة بعد عودته إلى واشنطن.
وكان أبرز المعلقين على الوثيقة الأمريكية، روسيا الذي وجدت في الوثيقة تهديداً لها، والسعودية التي وجدت فيها تطميناً، وهو ما يكشف عن أهداف أمريكا من نشر هذه الوثيقة، والمعنيين الحقيقيين من ورائها.
تحذير حلفاء النظام السوري وخاصة روسيا
لا شك أن اهتمام روسيا بالرد على الوثيقة، يكشف بشكل جلي الرسائل الضمنية التي تريد أمريكا إيصالها إلى روسيا، فلهجة التحذير والوعيد التي تضمنتها الوثيقة، تتقاطع إلى حد كبير مع التصريحات الصقورية التي أدلى بها قبل أيام وزير الخارجية الأمريكي، جان كيري، والتي حذر فيها روسيا من أن صبر بلاده تجاه دعم الرئيس الأسد له حدود.
مراقبون يرون أن الوثيقة الداخلية التي من المفترض أن تكون سرية، قد جرى التدبير لها وتسريبها بشكل متعمد من قبل الخارجية الأمريكية لإيصال رسائل تلميح تغني عن التصريح، بأن الحل العسكري ما زال على الطاولة، في الوقت الذي يميل الميدان السوري لصالح النظام السوري وحلفائه بعد الانتصارات التي حققها الجيش السوري والقوات الحليفة في محافظات حلب وحمص وريف دمشق والرقة، وحالة التذمر التي بدأت تظهرها الدول الداعمة للجماعات المسلحة وعلى رأسها السعودية.
لم يمض على اعلان الوثيقة اقل من يوم، حتى جاء الرد الروسي سريعاً وعلى أعلى المستويات، فالروس الذين فهموا الرسالة الأمريكية جيداً، لم يتوانوا عن اعلان موقفهم الداعم للدولة السورية ووحدة أراضيها، والرافض لاسقاط النظام، حيث حذر الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" خلال كلمته أمام منتدى بطرسبورغ الاقتصادى، من أن انهيار الدولة السورية سيؤدي إلى تهديد الاستقرار الاقليمي والعالمي، معلنا موافقة موسكو على مقترحات بضم معارضين للحكومة السورية الحالية. كما أكّد الناطق باسم الرئاسة الروسية، ديميتري بيسكوف، أن بلاده لا يمكن أن "تتعاطف مع دعوات لإسقاط سلطة دولة أخرى باستخدام القوة". وأوضح أن التلاحم بين "المعارضة المعتدلة" وجبهة النصرة هي من أهم العوامل التي تعرقل جهود محاربة الإرهاب.
من جهته ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي، قال في مقابلته مع محطة “روسيا اليوم” ان بلاده ترفض تقسيم سوريا او تجزئتها مؤكدا ان على السوريين تحديد ابعاد المرحلة الانتقالية المقبلة، ومصير الرئيس الاسد، وانه ليس هناك اي داع لاختراع اي وصفات جديدة لتسوية الازمة السورية فهناك قرارات مجلس الامن”.
طمئنة حلفاء أمريكا في المنطقة خاصة السعودية
كان لافتاً أن الوثيقة الداخلية لوزارة الخارجية الأمريكية قد تم الاعلان عنها أو (تسريبها) في الوقت الذي كان محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي، قد حل ضيفاً على واشنطن. في زيارة أعلن عن أهدافها صراحة رئيس لجنة شؤون العلاقات العامة السعودية الأمريكية المعروفة اختصارا بـ"سابراك" سلمان الأنصاري، حيث قال بأن جدول أعمال الزيارة سيتضمن "النقاش حول إعادة إحياء (الخطة باء) ووضعها على الطاولة مجدداً بما في ذلك تزويد المعارضة السورية بما تحتاجه من سلاح (أرض - جو) لقلب المعادلة على الأرض، مع حث الولايات المتحدة الأمريكية على اتخاذ خطوات جدية ولعب دور أكثر فاعلية على المشهد السوري ومع حلفاء الأسد المعرقلين لموضوع الانتقال السلمي للسلطة" حسب تعبيره.
ويرى مراقبون أن وثيقة الخارجية الأمريكية إنما جاءت كنوع من إبداء الحفاوة بالضيف السعودي، الذي من المقرر أن يبرم صفقات اقتصادية كبرى مع الجانب الأمريكي خلال زيارته التي استغرقت عدة أيام. ومحاولة إظهار الدعم للموقف السعودي تجاه سوريا والذي يصر على اسقاط الرئيس الأسد.
ويوم أمس الجمعة، كررت السعودية على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير، دعواتها الى أمريكا لتوجيه ضربات جوية ضد نظام الرئيس السوري بشار الاسد، وفي تصريح للصحافيين عقب محادثات في البيت الابيض، قال الجبير إن السعودية تدعو واشنطن منذ وقت طويل إلى أن تقود حملة عسكرية لتقويض سلطة الاسد.
واشار الجبير في تصريحاته في السفارة السعودية، انه منذ بداية الازمة، دفعت الرياض من اجل تبني “سياسة اقوى تشتمل على شن هجمات جوية واقامة مناطق امنة ومناطق حظر طيران ومناطق حظر الاليات. وأضاف ان السعودية ارادت تسليح “المعارضة المعتدلة” بصواريخ ارض جو، وكررت عرضها بنشر قوات سعودية خاصة في اية عملية تقودها الولايات المتحدة.
ما هي احتمالات شن عمل عسكري أمريكي على سوريا؟
لم يمض على وثيقة الخارجية الأمريكية والضجة الاعلامية المفتعلة حولها أقل من يوم، حتى بادرت الخارجية الأمريكية لنفي تغيير سياستها تجاه سوريا، حيث صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكي، جون كيربي، في إجابة له على سؤال حول ما إذا كانت أمريكا قد غيرت سياستها بشأن سوريا واتخذت قرارا بشن ضربات على القوات الحكومية بـ "لا"، وقال كيربي، تعليقا على احتمال تغيير سياسة واشنطن حيال سوريا: “ما زلنا نؤمن بأن التسوية السياسية في سوريا هي الحل الأفضل، مؤكداً أن إدارة الرئيس الأمريكي الحالي، باراك أوباما، ستبقى مركزة على إيجاد حل سلمي للأزمة السورية حتى انتهاء فترة ولايته. وهو ما يؤكد على الطابع الاعلامي لهذه الوثيقة الأمريكية، وعدم جدية أمريكا حيال توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري.
من ناحية أخرى يستبعد مراقبون بشدة أن تقوم أمريكا بإعلان حرب على سوريا، خاصة وأن ولاية أوباما الرئاسية قد شارفت على الانتهاء، وهو لا يريد أن يتورط في الأزمة السورية التي طالما حاول أن ينأى عن التدخل المباشر فيها طوال السنوات الماضية. فأمريكا التي وجدت نفسها قد تورطت في مقامرة كبيرة على خلفية اعلانها معركة تحرير الرقة –وهو هدف بسيط مقارنة مع هدف اسقاط النظام في سوريا- بالطبع لن تقدم على مغامرة أكبر من خلال التورط المباشر في الأزمة السورية. كما تتحسب أمريكا من الرد الروسي، والذي ممكن أن يجر البلدين إلى حرب مباشرة، مما قد يوتر العلاقات أيضا مع الصين الشريك الاقتصادي الكبير لأمريكا.
ثم إن النظام السوري وحلفائه لديهم الكثير من الأوراق، يمكن أن تسبب ضرراً بالغاً للمصالح الأمريكية في المنطقة، منها ضرب العمق الاسرائيلي، وتهديد الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة في المنطقة، أو حتى ضرب المصالح الحيوية الأمريكية في دول الجوار.