الوقت - تواجه أفغانستان منذ عقود أزمات داخلية وخارجية متعددة لأسباب كثيرة بينها تعرضها لغزو واسع من قبل الإتحاد السوفيتي السابق بين عامي 1979 و 1989 و لإحتلالٍ أمريكي في عام 2001.
وتعاني أفغانستان في الوقت الحاضر من مشاكل كثيرة في مختلف المجالات الأمنية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية. ومن هذه المشاكل إنتشار الفقر والبطالة في المجتمع والفشل في إعادة الإعمار وتطوير البنية الأساسية للبلاد، وإنعدام الأمن والإتجار بالمخدرات، وسيطرة الجماعات المسلحة على أجزاء كبيرة من البلاد بالإضافة إلى الأزمة السياسية المتواصلة منذ تشكيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة "أشرف غني أحمد زي" في يناير/كانون الثاني 2015 وحتى الآن.
وتمثلت الأزمة السياسية طيلة تلك الفترة بإستمرار الخلاف بين أشرف غني والرئيس التنفيذي في الحكومة "عبد الله عبد الله" من جانب، وبتلكؤ مفاوضات السلام بين حركة طالبان وحكومة الوحدة الوطنية من جانب آخر.
مصير المحادثات مع طالبان
شهدت السنوات القليلة الماضية إنعقاد العديد من مباحثات السلام الرسمية التي لم تثمر عن شئ حقيقي بين حكومة كابول وممثلي حركة طالبان التي رفضت عقد جولة جديدة من هذه المباحثات بذريعة أنّ ما تمّ الإتفاق عليه في الجولات السابقة لم يتحقق على أرض الواقع حتى الآن.
وتوقفت هذه المحادثات في تموز/يوليو 2015 بعد الإعلان المفاجي عن وفاة زعيم طالبان السابق "الملّا عمر"، ومجيء قائد جديد هو "الملّا أختر منصور" الذي قتل خلال غارة جويّة أمريكية في محافظة بلوشستان جنوب غرب باكستان في 21 مايو/أيار الماضي وحلّ محله "الملّا هیبة الله آخوند زاده" في قيادة الحركة.
وتشترط طالبان لإستئناف المباحثات مع حكومة أشرف غني خروج القوات الأجنبية بقيادة أمريكا من أفغانستان وإجراء إنتخابات مبكرة وتغيير الدستور وإطلاق سراح سجنائها وحذف إسمها من القائمة السوداء للأمم المتحدة.
ويرى المراقبون أن هناك أسباباً أخرى دعت طالبان لإتخاذ هذا الموقف يمكن تلخيصها بما يلي:
1 - تمكن الحركة من تحقيق مكاسب عسكرية على القوات الأفغانية في الآونة الأخيرة لاسيّما في شمال وشمال شرق البلاد، وإعتقاد قادة الحركة بإمكانية تحقيق أهدافهم السياسية من خلال مواصلة هذه الهجمات.
2 - الإنشقاقات التي حصلت داخل طالبان، ورفض المنشقين الذين يمثل الكثير منهم مركز الثقل في الحركة لمواصلة التفاوض مع الحكومة، وبالتالي فإن أيّ إتفاق يتم التوصل اليه في هذا المجال لا يمكن أن يصمد كثيراً بسبب إصرار الجناح القوي داخل الحركة على مواصلة العمليات العسكرية في مناطق مختلفة من البلاد بينها العاصمة كابول. ولازالت المعارك مستمرة بين طالبان والقوات الحكومية لاسيّما في شمال البلاد وتحديداً في ولايات قندوز وفارياب وجوزجان، وجنوبها خصوصاً في قندهار وهلمند وزابل، وشرقها لاسيّما نانجارهار.
3 - يعتقد الكثير من السياسيين داخل حكومة أشرف غني أن النتيجة النهائية لمفاوضات التسوية ستصب في صالح الحكومة الباكسانية التي تدعم طالبان. كما يعتقد هؤلاء بأن أي إتفاق سينجم عن المحادثات سيمهد الطريق لإختراق المؤسسات الأفغانية أكثر مما هي مخترقة في الوقت الحاضر.
وتواصل طالبان عملياتها المسلحة التي بدأتها الربيع الماضي وأطلقت عليها اسم "عُمري" نسبة إلى زعيم الحركة الأسبق الملّا عمر الذي أعلنت الحركة رسمياً أنه قد توفي قبل سنتين. ويأتي هذا التحرك في وقت تسعى فيه الحكومة الأفغانية إلى تغيير إستراتيجيتها في مواجهة هجمات طالبان ومن بينها الإنفجار المهيب الذي وقع أمام مبنى رئاسة الأمن الوطني وبالقرب من وزارة الدفاع بالعاصمة كابول وأسفر عن مقتل 67 شخصاً وإصابة 347 آخرين، ما يشير إلى عدم إمكانية إستئناف المحادثات بين الجانبين في وقت قريب.
التحدي الآخر الذي تواجهه الحكومة الأفغانية يتعلق بإقتراب موعد إنتهاء الإتفاق الذي تشكلت بموجبه هذه الحكومة قبل نحو عشرين شهراً، والتعديلات الدستورية التي ينبغي إجراؤها قبل الإنتخابات البرلمانية المقررة في منتصف أكتوبر/تشرين الأول القادم والتي تشمل إصلاح النظام الإنتخابي.
وكان من المفترض أن تنتهى عضوية أعضاء البرلمان فى حزيران/ يونيو 2015، لكن الرئيس الأفغاني مدد عضويتهم بعد تأجيل الإنتخابات التى كانت مقررة في أبريل الماضي نتيجة للتأخر فى إتمام الإصلاحات الإنتخابية والمخاوف الأمنية والخلافات بشأن كيفية ضمان عملية إقتراع نزيهة بعد إنتخابات رئاسية شهدت نزاعات مريرة في عام 2014.
وكان البرلمان الأفغاني قد رفض بالإجماع قبل عدّة أيام المرسوم الذي أصدره الرئيس أشرف غني لإجراء الإصلاحات الإنتخابية نظراً لوجود إختلافات فيما يتعلق بإنتخاب المفوضين للّجان الخاصة بالإنتخابات.
وهناك سبب آخر لتلكؤ محادثات السلام في أفغانستان يكمن في تدخلات الأطراف الخارجية خصوصاً من قبل أمريكا وباكستان والدعم الذي تقدمه هذه الأطراف لطالبان.
هذه الأسباب وغيرها تجعل من الصعب تصور إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية في أفغانستان، سيّما وأن الإدارة الأمريكية تسعى لإفشال مفاوضات السلام في هذا البلد رغم تظاهرها بدعمها لأن نجاح هذه المفاوضات يعني بالتالي إن على واشنطن أن تغادر هذا البلد بصورة كلية، وهذا ما لايمكن أن تقبل به لأنها تفكر بالبقاء هناك مدة أطول لتحقيق أهدافها الإستراتيجية، مع الأخذ بنظر الإعتبار أنّ أفغانستان تمثل في الوقت الراهن الجزء الرخو الذي يتيح للإدارة الأمريكية تنفيذ مآربها في المنطقة بسبب الأزمات الكثيرة التي يعاني منها هذا البلد في شتى المجالات السياسية والأمنية والإقتصادية.
من هنا يمكن الإستنتاج بأن إستمرار وجود القوات الأمريكية يعد سبباً رئيسياً يحول دون التوصل إلى تسوية سياسية في أفغانستان، لأنه يعطي ذريعة للجناح المتشدد في طالبان لرفض المفاوضات بإعتبار أن القوات الأجنبية هي قوات إحتلال ولا يجوز التفاوض مع حكومة تقبل بإستمرار الإحتلال.