الوقت- على وقع الزيارة المهمّة التي يجريها ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن، أجرت قناة "العربية" السعودية مقابلة خاصّة مع مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية جون برينان تطرّق خلالها إلى الأحداث الإقليمية والدولية الساخنة.
المقابلة مع برينان حملت في طياتها جملة من الأهداف التي يسعى لتحقيقها الأمير السعودي مع الإدراة الأمريكية، وفي مقدّمتها التركيز على الشراكة بين البلدين، تبرئة السعودية من أحداث 11 سبتمبر ومواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة عبر إتهام طهران بالإرهاب، وكل هذه الملفات تطرّق إليها رجل الإستخبارات الأمريكي في المقابلة.
لم يأت برينان بشيء جديد فيما يتعلّق بأحداث 11 سبتمبر، بل حاول تمهيد الأرضية أمام "محمد بن سلمان" قبل دخوله إلى البيت الأبيض، خاصّة أن هناك قناعة راسخة لدى شريحة واسعة من الأمريكيين حول صلة النظام السعودي بإستهداف أبراج التجارة العالمية في نيويورك. فيما يخص طهران أيضاً، كرّر مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية كلام إدارته حيث أوضح " أنه لا يوجد أي اتصال أو تعاون استخباراتي مع إيران، معربا عن قلقه من نشاطات إيران الإرهابية ودعمها للميليشيات الإرهابية خاصة "فيلق القدس" في عدة دول بالمنطقة".
برينان ردّد دعوات سابقة عندما قال "أنه يتعين على ايران أن تثبت أنها ملتزمة بمحاربة الإرهاب وعليها وقف دعم الميليشيات الشيعية"، لافتا إلى أنه لقاسم سليماني دور قيادي في تأجيج الصراع الطائفي نيابة عن إيران و"فيلق القدس" في العراق وسوريا ودول أخرى في المنطقة، حسب زعمه.
لم يكتف المسؤول الأمريكي بتكرار أحاديث سابقة، بل عمد إلى القول بأن والإستخبارات الأمريكية ترسل تحذيرات إلى الإيرانيين من هجمهات إرهابية عبر طرف ثالث، إلا أن طهران لا تبادلها بالمثل، فهل هناك علاقات إستخباراتية بين البلدين؟
عند مراقبة تصاريح قائد الثورة الإسلامية السيد على الخامنئي، بإعتباره رأس الهرم في النظام الإيراني، وكذلك بقية أركان النظام، نخلص، إلى نتيجة واضحة مفادها كذب إدعاءات برينان، ما يدفعنا لطرح سؤال آخر يتعلّق بأهداف مدير الإستخبارات المركزية من هذه الإدعاءات.
لاشك في أن هذه الإدعاءات التي جاءت بعد سؤال يتعلّق بالإتفاق النووي الإيراني تهدف لتحقيق جملة من الأهداف أبرزها:
أولاً: تلميع صورة واشنطن عبر إظهار وجهها الإنساني وقلقها على الشعب الإيراني رغم عدائها للنظام. واشنطن نفسها التي تتشدّق بحقوق الإنسان والحيوان، هي من دمّر العراق وأفغانستان وكلّف شعب البلدين مئات الألاف من القتلى والجرحى، هي من حرق الشعب الفيتنامي الذي بدروه أذاقها مرارة المواجهة، هي من إستخدم القنابل النووية في هيروشيما وناكازاكي، لذلك لا نستغرب صدور هكذا إدعاءات تهدف لتمليع صورة واشنطن الملطّخة بدماء الشعوب على القارات الست.
ثانياً: إن الداخل الإيراني يعد أبرز المستهدفين من رسائل برينان حيث حاول الرجل الأمريكي، إظهار صورة معاكسة لما يختلج أذهان الإيرانيين حول الإدارة الأمريكية، هذه الصورة السوداء التي ترسّخت بعد أن نكثت واشنطن بأغلب ما تعهّدت به في الإتفاق النووي.
ثالثاً: إستهداف الداخل الإيراني يهدف لإشغال طهران في محافظاتها الـ31 وعلى الحدود مع أفغانستان وباكستان والعراق، أي إبعادها عن المشهد الإقليمي من خلال التعاون الأمريكي السعودي الذي شدّد عليه مدير وكالة الإستخبارات في المقابلة.
رابعاً: تحدّث الجنرال قاسم سليماني قبل أقل من شهر في إحتفال الـ8000 شهيد في محافظة "جيلان"، شمال غرب، عن الأمن والإستقرار الذي نجح النظام الإيراني في تكريسه للشعب رغم أن الدول المجاورة تحترق بنيران الإرهاب، بدءاً من أفغانستان، مروراً بباكستان التي تمتلك أسلحة نووية ووصولاً إلى العراق الذي فقد جزءاً كبيراً من أراضيه. في الحقيقة، يسعى برينان لضرب هذه الهالة العظيمة التي نجح النظام الإيراني في تكريسها، خاصّة أن البعض حاول الإستدلال من خلال الإستقرار الداخلي هذا على علاقة طهران مع الجماعات التكفيرية!
إيران اليوم تقدّم خيرة مستشاريها على الأرضي السورية والعراقية في المواجهة المباشرة من التنظيمات الإرهابية، وغير المباشرة مع أمريكا بإعتبارها تدعم هذه الجماعات، ولا ترتبط، حالياً، بـ"شعرة معاوية" مع الإستخبارات الأمريكية، وفق أحد المراقبين. يضيف قائلاً:"نعم إبان الإحتلال الأمريكي كان هناك علاقة محدودة بعد طلب أمريكي، وطهران وافق لأسباب إنسانية بحتة، في مقدّمتها الشعب الأفغاني المظلوم، الحقبة السابقة إنتهت منذ زمن، ويبدو أن لا رجعة إليها في الظروف الحالية".