الوقت- صباح يوم الأربعاء , 28\01\2014 لم يكن وقعه على رئيس حكومة الکيان الاسرائيلي كغيره من الأيام ... أسبوع من القلق اكثر فيه نتانياهو من التفكير والحسابات, وتابع بدقة كل تفاصيل الجبهة الشمالية, وتوقف عند كل تقارير الاستخبارات التي رفعت اليه, وقرأ خلاصات الصحف وخلاصات تقارير ترصد المواقع التابعة لمحور المقاومة .. فمنذ عملية الجليل كان نتانياهو كثير التوتر والقلق, قليل الابتسام, سريع الغضب...
أيام مقلقة, أتقن فيها حزب الله فن بث الرعب والقلق عبر حرب نفسية مبدعة, جعلت الکيان الاسرائيلي مجنونة متأهبة قلقة, تركض مسرعة على طول الجبهات وتستنفرمن الناقورة الى الجولان بجنودها وعتادها وطائراتها واستخباراتها, وتطلق القنابل المضيئة هنا وتقصف هناك, وتنفذ انتشارا في بقعة تليها الاخرى, دون جدوى.. وتستفيق صباحا لترى اثار اقدام لمجاهدي حزب الله مروا ونسوا علم حزبهم على ساتر نقطة عسكرية في تلال الراهب .. وتتأهب كل الدفاعات المضادة للصواريخ على وقع دوي صفرات الانذار واصوات انفجارات متنقلة لقنابل وصواريخ تهطل من السماء بين الحين والاخر في الجولان, ومستوطنون وصلت بهم الفوبيا الى حد سماع اصوات حفر يقوم به حزب الله تحت بيوتهم, وتخيل اشباح للحزب في انصاف الليالي ليستنفر الجيش وطيرانه المروحي.. ولا أثر ولا من يؤكد الخبر !! .. كل هذا وتأهب أمني بالغ التعقيد والكلفة ينفذه الموساد واجهزة الامن الخارجي الاسرائيلي حول كل ما يمت للكيان الإسرائيلي بصلة من سفارات ومصالح ومكاتب في العالم..
أيام أتقن فيها حزب الله لعبة الحرب النفسية, التي لم تكن هدفا بحد ذاتها, بل كانت تمويها يمارسه الحزب على عدو يدرك أن أية لحظة ستحمل اليه عملية ثأر للرد على الاعتداء الاخير في الجولان ..
مع كل هذا التأهب الاسرائيلي, وكما العادة, يفوق ذكاء قيادة الحزب قدرات الکيان الاسرائيلي وامكاناتها وعملائها, ويفوق أيضا بدقته وسريته قدرات قوات اليونيفيل التي أيضا وبموازاة التأهب الاسرائيلي فعلت بشكل استثنائي دورياتها واستطلاعاتها على الحدود, حرصا على حفظ الالتزام بعدم خرق القرار 1701, رغم أن القرار ومنذ الساعات الاولى لصدوره تعرض لمئات الخروقات الاسرائيلية وسط صمت الأمم المتحدة !!
اعتداء القنيطرة حماقة نتانياهو التي فتحت حسابا لم تغلقه عملية شهداء الجولان
لم يكن وقع وصوت الهاتف صباح يوم الأحد, عاديا على أذن نتانياهو, فما كان يخشى سماعه نتنياهو في الاتصال, حدث!!
سمع نتانياهو من القيادة العسكرية خبرا, غير ملامح وجهه وزاد من ضربات قلبه, لينهال اسئلة مضطربة على المتحدث كيف ومتى وكم؟؟ أقفل سماعة الهاتف وضع يديه على رأسه وأدرك جيدا أن هناك من يفوقه عنادا, وهناك حزب مقاوم ذكي عنيد لا بد أن يفكر مئة مرة في قادم الأيام قبل أن يقدم على اعتداء يطاله!!
أدرك نتانياهو حينها رغم عنفوان تصريحاته الحماسية, أن ما قام به كما العادة كان حماقة, ستعطي الحزب قوة ودفعة للامام على حساب صورة ضعف اسرائيل التي تتقهقر هيبتها الى الوراء نتيجة قرارات قيادتها المراهقة ..
لم تقدم حكومة الكيان الاسرائيلي على ردة فعل تدرك أنها قد تجر الى ردة فعل مقابلة, فسلسلة من الردود المتبادلة ليست فقط غير متناهية, بل أيضا متزايدة في الحجم والقوة. فكل رد يستلزم ان يكون الرادع الاقوى وسيكون هدفه أخطر وأقسى, وهذا الاستنزاف يعرف نتانياهو المقبل على انتخابات يتوقع منها ان تكرسه رئيسا للحكومة من جديد, أنه لا حكمة فيه ولا مصلحة..
رد الحزب كان قاتلا, فمكان وشكل الرد كان مدروسا بشكل فاق توقعات المجالس المصغرة الامنية والسياسية وغلب تقديرات الاجهزة وتقاريرها وأربك عقولها وأخرس أفواهها عن الادلاء حتى بتصريحات في الساعات الاولى للحادثة.
وخلاصة الجولة الدموية على ارض الجولان وتخومها, تظهر في تعليق أولي لتسيفي ليفني صرحت فيه لصحيفة " يديعوت احرنوت " معترفة أن: "بنيامين نتنياهو أضر بقوة الردع الاسرائيلية" !!
اما الاوساط الامريكية, فقد عبرت عن أن ما فعله نتانياهو كان حماقة, لا يجب مكافأته عليها!!
فالواضح أن العملية, لن تقتصر نتائجها على معادلة الردع فقط, بل الى ما يتعداه, الى الداخل الاسرائيلي, لينقلب على نتانياهو كيدهم ومكره, فما أراده فرصة انتخابية, سترتد عليه تهديدا وطلقة قاتلة اطلقها على رأسه الزعيم المتحمس.
السيد نصر الله يسدد ضربته ولا يكتفي بل يفتح الصراع على مصرعيه:
أطل الأمين العام للحزب, السيد حسن نصر الله, في خطاب نهار الجمعة, ليطلق بداية مرحلة جديدة, وضع فيها اسرائيل أمام واقع جديد مفاده أن أي استهداف لمجاهد من مجاهدي المقاومة, سيعرض الکيان الاسرائيلي للقصاص والعقاب, وأن المقاومة في حل من اي اتفاق ومعاهدة وقواعد اشتباك محددة مع هذا الكيان, ليشرع الصراع على مصرعيه, ويفتح ساحة المواجهة مع الكيان الاسرائيلي, في كل مكان وزمان يحصل اعتداء على عنصر من عناصر المقاومة وهذا وحده كلام خطير جدا في مرحلة الصراع.
خطاب السيد نصر الله, كان بنفسه حربا نفسية من نوع اخر, توجه فيها الى الداخل الاسرائيلي, ليعبر لهم كما عادته عن أن ما يجري هو جراء فشل يصيب قياداتهم, في سعي منه لضرب كل ما اراد نتانياهو التأسيس عليه انتخابيا عبر الضربة الاستعراضية, ويقلب الطاولة على رأسه عبر اظهار نتانياهو متسرعا حماسيا لا يملك من الحكمة ومؤهلات القيادة اي نسبة تذكر, وتابع السيد حربه على الجيش الاسرائيلي, حيث وصف عجز الجيش الذي وصل الى حد عدم معرفة اي تفصيل عن كيفية القيام بالعملية التي جرت في وضح النهار رغم استنفاره الاقصى وتأهبه وأوضح لهم أن مجاهدي الحزب أتوا من الأمام ليس كما يفعل جيشهم الغادر الذي يضرب بمكر من الخلف.
حاصل جولة الاشتباكات:
الجولان محراك الاشتباكات, بات محورا يستقطب العمل الجهادي للمقاومة, رغم اعتراض الکيان الاسرائيلي, فما حصل كرس بداية لمرحلة ستشهد تحركات للحزب في المنطقة, جزء منها سيطال مساندة الجيش السوري لضرب جيش لحد الثاني من مجموعات مسلحة تحرس حدود الكيان العبري, وجزء اخر عبر التخطيط واعداد المنطقة لاداء دور وظيفي أساسي في أي حرب قادمة بين محور المقاومة والکيان الاسرائيلي.
يقف الكيان الاسرائيلي اليوم مكتوف الأيدي, ينظر الى ما يحصل من تراكم ترسانة صاروخية ستدك اراضيه يوما في جنوب لبنان, ويراقب حركة مجاهدي الحزب في الجولان وجنوب لبنان, ينشطون للتخطيط والتجهيز لحرب قد تنشب يوما تفتح الباب للعبور الى حيث يتوق الحزب وامته المقاومة, دون أن يجرؤ جيش الكيان الاسرائيلي على فعل شيء, وسط عجز حلفائه من حركات التكفير من حماية حدود الكيان العبري, كسابق عجز جيش لحد في جنوب لبنان.
الهيبة الاسرائيلية تهتز اكثر فاكثر, ويستمر السيد حسن نصر الله في سحق جيش وكيان وهمي, يهشم بقبضات مجاهديه السمراء صورة وهمية لدولة بنت امنها على الاكاذيب والاضاليل, ويمزق لحمة مستوطنين هاجروا من بلادهم الام الى الكيان الاسرائيلي ليكونوا تحت حماية جيش لا يقوى على حماية نفسه من اشباح المقاومة..
احداث استراتيجية بكل ما فيها من دلائل, ترسم مستقبل جيش لم يعد بعيدا من ان ينهار, حين يسمع على شاشات اعلامه وصفارات انذارات مواقعه والمستوطنات, بأن أشباح حزب الله قد أطلقوا رصاصة بداية الزحف, ومن الجولان, ولن يستقر زحفهم الا على ضفاف بحيرة طبرية ..
هو السيد يحضر لهذا اليوم, لمواجهة ذاك الجيش المرعوب الذي تدربه دولته معتقدة أنه سيصمد حين يسمع وقع ذاك النبأ المرعب, اقتحام الأشباح للشمال .. انه الردع الاسرائيلي المحسوق وإنها هيبة دولة تفتتها قرارات حكام ذات طموحات صبيانية سلطوية.
اسئلة كثيرة لم يعط السيد اجابة عنها ولم يتطرأ اليها ضمن مسلسل حربه النفسية التي يحطم فيها ويسحق معنويات حكام الدولة العدائية والكيان الاستعماري الوحيد المتبقي في هذا العالم, فما زالت اسرائيل قلقة تبحث عن اجابة لها ..
هل تنتهي الحكاية وتنطوي الاحداث هنا, أم أن للجولان كلمات ورسائل أخرى في قادم الأيام, اعتدنا ان نقرأها في بريد الجولان ورسائله النارية ؟؟؟