الوقت - تميَّزت شخصية الإمام الخميني بالقدرة على القيادة بحكمة، ضمن المنهج الإسلامي، دون فرض الإسلام، أو تحقير غير المسلم. كما أن سياساته العملية، وإنجازاته كافة، لم تقف عند حدود الزمن الذي عاش فيه رضوان الله عليه. بل تعدَّت ذلك للعصور الحالية واللاحقة. وهو الأمر الذي جعل فكره، يستمر مع الزمن. فيما شكَّلت شخصيته التي تميزت بالصفات القيادية الإسلامية، نموذجاً للحكام والمسؤولين. فكيف يمكن بإختصار وصف شخصية الإمام؟ وكيف أن إنجازاته ما تزال تنبض حتى يومنا هذا؟
شخصية الإمام النموذجية
عددٌ من الصفات الأساسية نُلقي الضوء عليها، خدمةً للمطلب. ويمكن القول بأن أهم هذه الصفات كانت، الإيمان بضرورة أداء التكليف الشرعي، ضرورة إمتلاك القائد للرؤية الواضحة، التصميم والإرادة لدى القائد ووجوب أن يكون القائد صوتاً للمظلومين والمستضعفين. وهنا فإن هذه الصفات الأساسية، تُشكَّل بحدِّ ذاته المواصفات التي تجعل القائد شخصاً مقبولاً من الأمة. فقلما نجد في التاريخ السياسي المعاصر، شخصية قياديةً عاشت كأقل الناس، حيث أن بيت الإمام ما يزال إحدى صروح السياحة الصادمة للكثيرين، من الذي يتعرفون على حقيقة القائد المسلم عند زيارته. كما أن طبيعة العلاقة التي كانت تجمع الإمام بالشعب والمسؤولين، والتي تبتعد عن الطرق التقليدية القائمة على التوارث في المسؤوليات أو الديكتاتورية في الحكم، كلها صفاتٌ وخصائص، تجعل النموذج الخميني، يتمتع بروح المصداقية وقابلية الإستمرار. حيث أن الإمام الراحل، لم يرث سلطته بل أتى بإختيار وإصرار الشعب. كما أنه كان شخصيةً حقيقية وليس شخصيةً صنعها الإعلام. ودافع عن قضايا الأمة بالدم، وليس بأموال النفط. وحين وفاته، لم يستلم أحدٌ من أبنائه الحكم، بل كان القرار للنظام الإسلامي الديمقراطي الذي أنتجته الثورة الإسلامية.
إنجازات الإمام الخميني: إنجازاتٌ لكل العصور
إن عظمة الإمام الخميني تكمن في إنجازاته. في حين يجب الوقوف عند تلك الإنجازات، مع الإستفادة منها اليوم، وربطها بالواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية. وهنا لابد من قول التالي:
- نعيش اليوم في ظل هجمةٍ شرسةٍ على الإسلام والأديان السماوية. ولعل ما يجري من محاولةٍ لتشويه صورة الإسلام عبر الترويج له كدينٍ إرهابي من خلال التنظيمات التكفيرية، هو من أكبر التحديات التي تدفع بالعقول الإسلامية لإبتكار الطرق لمواجهة ذلك. وهنا فإن مفهوم إحياء الإسلام والذي سعى الإمام الخميني لتطبيقه، يُعتبر الحل الأمثل لذلك. ولا شك أنه خلال القرنين الماضيين، كانت الأجهزة الإستعمارية الغربية، تسعى جاهدةً إلى جعل الإسلام ديناً منسياً عبر اتهامه بأنه دين التخلَّف. وأنفقت لتحقيق ذلك أموالاً طائلة من أجل إزاحة الإسلام من حياة الناس وعقولهم وسلوكهم الفرديّ والاجتماعيّ. فكان دور الإمام الخميني من خلال القيام بالثورة الإسلامية، دوراً بارزاً في تقديم نموذج الإسلام الحقيقي، إدراكاً منه بأن الإسلام وتعاليمه الجامعة، يُشكل العقبة الأكبر في طريق استمرار القوى الكبرى الاستكباريّة في العالم، والهيمنة على مصالح الشعوب والأمم. وبالتالي فقد استطاع الإمام، إحياء الإسلام الصحيح، وهو الأمر الذي شكّل ضربة قويّة لمخطّطات الإستعمار والإستكبار.
- من الناحية الأخرى، ولأننا نعيش دوماً على أعتاب الآخرين، ونؤمن بمقولة إما شرقية أو غربية، فقد جاء الإمام الخميني ليُشير الى السر الكامن خلف تحقيق الإنجازات والتقدم والإكتفاء. وهو ما عملت به الجمهورية الإسلامية في العهد الحاضر. فقد خرج الإمام رافعاً مبدأ لا شرقية ولا غربية. الأمر الذي جعل الشعوب تلتفت الى ضرورة الإستيقاظ من سُبات الإعتماد على الغرب. وهو ما نشعر بأننا بأمس الحاجة له اليوم، لا سيما وأن المنطقة تعيش على أعتاب تغييرٍ مُلحٍ سيؤثر على جغرافيتها السياسية، وهو ما يعرف الجميع أنه لأسبابٍ إقتصادية.
- ولعل ما يرتبط وبشكلٍ كبيرٍ بالإنجاز الذي سبق، ويؤسَّس له، هو مسألة إحياء روح الثقة بالنفس لدى الشعوب. وهو الأمر الذي تعيشه إيران اليوم، بالإضافة الى محور المقاومة. حيث أن تلك المسألة، أسست لواقع عدم الإستسلام والرضوخ. وشكلت البذرة الأولى لتحرُّر الشعوب المستضعفة، وقدرتها على فرض مصالحها. وهو ما نحتاجه في ظل الحرب الكونية على سوريا، والتي تهدف بالظاهر لتغيير الشرق الأوسط، وفي الباطن لضرب قدرة الشعوب على المقاومة والممانعة.
- ولأن الإنجازات تترابط في الكيفية والهدف، فإن مسألة بروز الأمة الإسلامية من جديد على الساحة العالمية، هو من أهم ما حققته سياسات الإمام الخميني. فالأمر لم يكتفِ فقط في تحقيق انتصار الثورة الإسلامية. بل تعدى ذلك لمسألة جعل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، قوةً عالمية. الأمر الذي يمكن وبوضوح رؤيته اليوم، من خلال التوافد الكبير للغرب الى طهران، لإبرام الإتفاقيات والمعاهدات. الى جانب أن ذلك رفع دور محور المقاومة، من المحلي الى الإقليمي فالدولي.
- وهنا فإن مسألة إعادة روح العزّة للمسلمين، وما تتبعها من تفاصيل مُهمة، أمرٌ استطاع الإمام تحقيقه. حيث لم يعد الإسلام ديناً من الأديان فحسب، يهتم فيه الباحثون من خلال الأبحاث والتحليلات في الجامعات، بل أصبح موضع اهتمام المجتمعات في الغرب والعالم. ودخل في صلب حياة الناس، إلى وضعٍ بدأ المسلمون معه أينما كانوا، يشعرون بالعزّة والعنفوان. ولعلنا اليوم ومن خلال ذلك، نستطيع أن نُسلَّط الضوء على مسألة أهمية وحدة المسلمين والبوصلة التي حددها الإمام الخميني، بإعتبار القدس هدف الشعوب المسلمة. لأنه عندما نعتمد معياراً واحداً، نستطيع من خلال ذلك الإلتفات الى حقيقة المشهد السياسي في المنطقة. لا سيما في ظل سعيٍ إسرائيليٍ خليجي، للتقارب والتعاون. مما يجعلنها نفهم كيفية تحديد العدو وتمييزه من الصديق. الى جانب تمكننا من مواجهة من يدَّعون الإسلام، ومعرفة أصحاب الرأي الإسلامي الصحيح.
شكَّل الإمام نموذجاً للقائد القادر على ربط الماضي بالحاضر والمستقبل. كان الإمام رجلا إستراتيجيا كما يصطلح الغرب. حيث أنه أسس لما لم يفهمه أحدٌ حينها، خصوصاً عندما انتصرت الثورة وأصبحت القدس هدف الأمة الإسلامية.
أما اليوم، فإن العالم بأسره بدأ يُدرَّس فكر الإمام الخميني كفكر إستراتيجيٍ يصلح لكل زمن. وهنا يمكننا وبموضوعية القول، بأن إنجازات الإمام الخميني من انتصار الثورة الى ترسيخ أهمية الوحدة الإسلامية فجعل القدس قبلة المسلمين، كلها تُعد أسباباً لإنجازات الشعوب المستضعفة في العالم، أو ما تُسميّه السياسة الدولية محور المقاومة والممانعة. لنصل الى حقيقةٍ مفادها، بأن الإمام الخميني (قدسره) هو شخصيةٌ خالدة بإنجازاتها التي تتخطى حدود الزمن وتصلح لكل زمن.