الوقت- أجواء الترقب و الحذر لا تزال تخيم على الوضع الأمني في الكيان الإسرائيلي، و كأنما أصبح انتظار الرد أصعب من الرد نفسه، ففي مقابل الهدوء على الساحة اللبنانية، تزدحم الاجراءات و التصريحات الاسرائيلية على اختلاف أشكالها فبعدما أخفقت كل محاولات طمأنة الجمهور الإسرائيلي، ومع ارتفاع المخاوف من قرار حزب الله، لجأ الکيان الإسرائيلي إلى توجيه رسائل في اتجاهين: الأول ردع الخارج، والثاني طمأنة الداخل. إلا أن التهديدات لم تنطو على أي جديد، سواء على مستوى النيات والتوجهات، أو على مستوى القدرات، فيما زادت من منسوب القلق لدى الجمهور الإسرائيلي، لأنها أوحت بأن المنطقة قد تكون مقبلة على مواجهة قاسية، و على الصعيد الميداني يكثف الجيش اجراءات اعادة التموضع على الجبهة الشمالية و نشر الصواريخ الدفاعية و السفن الحربية خوفا على منشات النفط و الغاز الطبيعي.
نشر الجيش الاسرائيلي عدة بطاريات لصواريخ من منظومة القبة الحديدية في منطقة حيفا و قرب محطة الغاز في منطقة الكريوت، حسبما أعلنت وسائل اعلام فلسطينية، ويأتي نشر القبة الحديدية بعد إعلان أقصى درجات التأهب، ونشر الجيش الإسرائيلي أيضا منظومة رادار "أورن أدير" الخاصة بمنظومة "حيتس" المضادة للصواريخ تحسبا لرد انتقامي محتمل من جانب حزب الله بعد الغارة الجوية التي أسفرت عن استشهاد 6 من عناصر الحزب و قائد في الحرس الثوري الايراني في منطقة القنيطرة السورية.
كما و نشرت اسرائيل سفنها الحربية قرابة الشواطئ لحماية ابار النفط و الغاز الطبيعي الممتدة على طول الساحل. و قد أعلنت الحكومة الاسرائيلية سابقا عن تخوفها من وصول صورايخ ياخونت أرض-بحر الروسية الى يد حزب الله، ما تعتبره تل ابيب خطرا يهدد مصالحها.
و زعمت وسائل الاعلام الاسرائيلية أمس، تسلل حوالي 10 مقاتلين الى الأراضي المحتلة لزرع عبوات ثم عودتهم بعد ذلك الى الأراضي اللبنانية، و يثير الحديث عن أنفاق حزب الله رعبا في قلوب المستوطنين، حيث يعتقد هؤلاء أن الحزب حفر جيدا تحت المستوطنات تحسبا للحرب المقبلة، حتى ذهب بعضهم الى التأكيد أنه يشم رائحة مقاتلي حزب الله يوميا.
أجواء الحذر و الرعب من الرد المحتمل على عملية القنيطرة تؤكدها مساعي حكومة الکيان الاسرائيلي لمحاولة احتواء الصدمة و الخروج بأقل كلفة، على هذا الصعيد نقل أكثر من مصدر اعلامي عن مصادر سياسية في تل ابيب، أمس، ان اسرائيل أكدت لروسيا انها غير معنية بتردي الوضع الامني وصولا الى تصعيد شامل، وانها تريد ان تهدئ الاجواء للحؤول دون تأزم الوضع. واشارت القناة العاشرة الى أن اختيار موسكو وسيطا مرده العلاقة الطيبة التي تجمع الجانب الروسي مع الجهات الثلاث في الجانب الثاني من الحدود.
الى ذلك، اشارت القناة الثانية العبرية امس، في نشرتها المسائية الرئيسية، نقلا عن مصادر عسكرية، ان اسرائيل تدرك جيدا بأن حزب الله سيرد لا محالة على اعتداء القنيطرة. وقالت إن رسالة اسرائيل الى حزب الله، أنه اذا كان الرد حتميا، فإنها معنية بألا يكون الهدف مدنيا. وان كان كذلك فإنها لن تستطيع الا الرد بشكل قاس. اما في حال كان الامر مخالفا لذلك، كأن يكون الهدف جنودا اسرائيليين، فهذا لا يعني أن اسرائيل لن ترد وانما ستعتبر ذلك نوعا من الالتزام المتبادل بقواعد الصراع القائم بين الجانبين.
المستوطنون الذين كانوا يعيشون رعب أنفاق حزب الله على الحدود الشمالية منذ أشهر، يطالبون حكومتهم بتأمين الامان وحل هذه المعضلة، هؤلاء أنفسهم يحبسون أنفاسهم من الرعب لمجرد التفكير في امكانية استخدام حزب الله لهذه الانفاق المفترضة في أي رد مفترض على اعتداء القنيطرة، ومن كان منهم يسمع أصوات الحفر تحت بيته، بات الآن يشتم رائحة مقاتلي حزب الله في زواية منزله.
منذ الأحد الماضي لا سياحة في الشمال، ولا أعمال، ولا حياة اقتصادية اعتيادية، والمشهد السائد هو حذر وترقب وخوف يصل حد التوهم بتسلل أفراد عبر الحدود، مستوطنون يلزمون منازلهم ويخشون الخروج ولو للتنفس، وتكاد الشوارع تخلو إلا من أضواء سيارات الشرطة وضجيج مجنزرات الجيش الذي عزز كافة مواقعه الامامية بالدبابات ووضع قواته وخاصة قوات الدفاع الاقيلمي "حرس المستوطنات" في أعلى درجات الجهوزية، تحسبا للرد القادم من ناحية الشمال.