الوقت- ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أنه "ومع تواصل انخفاض أسعار النفط التي تلحق خسائر فادحة بالسعودية، وما يتسبب من الاضطرابات العمَالية نادرة الحدوث، يسعى حكام المملكة لإحداث تغييرات جذرية لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد. وقد أجبرت الشركات في البلدان المصدرة للنفط على الإطاحة بعشرات الآلاف من موظفيها خلال الأشهر الأخيرة. ويقول محللون إن الحكومات كذلك فرضت تدابير التقشف المؤلمة على المواطنين، ما يهيئ الظروف لاضطرابات مماثلة لتلك التي شهدتها المنطقة إبان الاحتجاجات التي شهدتها الدول العربية".
وتلفت الصحيفة الى أنه "في أواخر الشهر الماضي، قام عمال البناء بإحراق الحافلات خلال تظاهرات لهم في مدينة مكة المكرمة، احتجاجًا على عدم تقاضيهم رواتبهم منذ شهور.. كل ذلك يأتي ليضيف إلى حالة عدم الارتياح الناجمة عن الصعود المثير للجدل لنجل الملك ووزير الدفاع البالغ من العمر 30 عاما،"محمد بن سلمان". ويتولى "ابن سلمان" المسؤولية عن خطط الإصلاح الاقتصادي ولكن التنافس داخل العائلة المالكة وبين النخب الدينية يبدو أنه يعيق محاولاته لتوطيد سلطته".
"واشنطن بوست" أشارت الى أن "الظروف التي أنتجت الربيع العربي قبل 5 سنوات لم تذهب بعيدا. وتبدو الأمور أكثر مدعاة للقلق في المملكة العربية السعودية الآن . . ووفقا لـ"بروس ريدل" مستشار السياسة الخارجية الأسبق للرئيس أوباما وكبير المحللين في معهد بروكينغز، تمكنت السعودية بفضل نظام الرعاية الاجتماعية السخي الممول من عائدات النفط من تجنب الاضطرابات الكبيرة حين اندلعت الاحتجاجات في كل من مصر وتونس وليبيا وسوريا في عام 2011".
ولفتت الصحيفة الى أن "السعودية، حليف الولايات المتحدة والمصدر الأكبر للنفط في العالم، لا تزال بلدا غنيا. وقد نجحت سلفا في التعامل مع موجة سابقة من انخفاض الأسعار من قبل. ولكن حتى مع ارتفاع أسعار النفط الخام وصولا إلى ما يقرب من 50 دولارا للبرميل ارتفاعًا من 30 دولارا في وقت سابق من هذا العام، فإن المحللين لا يتوقعون أن تعود الأسعار في أي وقت قريب إلى المستويات المرتفعة التي كانت عليها قبل عامين . . وتعد المنافسة الدولية في أسواق الطاقة مسؤولة بشكل جزئي عن انهيار الأسعار. وكذلك السياسة السعودية التي عمدت إلى محاولة إفلاس المنافسين في البلدان الأخرى عن طريق الحفاظ على مستويات إنتاج مرتفعة نسبيا".
ومع ذلك، ترى الصحيفة أن "المسؤولين السعوديين يدركون بشكل جيد الحاجة الملحة إلى تقليل الاعتماد الساحق على مبيعات النفط في البلاد والتي تمثل أكثر من 80% من الإيرادات الحكومية. في الشهر الماضي، أعلن الأمير "محمد بن سلمان" عن إعادة هيكلة اقتصادية كبرى يطلق عليها اسم رؤية 2030. وتعتزم هذه الخطة تحقيق الشفافية في المؤسسات الحكومية والعمل على زيادة الدخل من القطاعات غير النفطية، مع الخصخصة الجزئية لشركة النفط الوطنية الحكومية أرامكو، والعمل على خلق فرص عمل واسعة النطاق. وقد أصبحت البطالة تمثل مشكلة كبيرة بالنسبة للسعوديين، وخاصة أولئك الذين تقل أعمارهم عن 30 عامًا، والذين يشكلون الغالبية بين 22 مليون مواطن في المملكة . وقد تقلص النمو الاقتصادي في البلاد بشكل ملحوظ مؤخرا، كما نما عجز الموازنة بشكل كبير. وقد دفع ذلك صندوق النقد الدولي للتحذير في العام الماضي من أن المملكة قد تستنفذ احتياطاتها النقدية خلال أقل من خمسة أعوام إذا فشلت في إجراء إصلاحات".
هذا وقد استجابت السلطات لهذه الأزمة عن طريق خفض الدعم على المياه والوقود والكهرباء، ولكن يقول الخبراء الماليون أن هناك حاجة ماسة إلى ما هو أكثر من ذلك وربما إلى فرض الضرائب التي تعد قضية شديدة الحساسية بالنسبة للسعوديين. ولكن بعض السعوديين كانوا مستعدين لقبول مثل هذه التغييرات شريطة أن تكون تدريجية ومقبولة. ومعظم الناس يتفهمون أن هناك حاجة ماسة إليها. ولكن الكثيرين يشككون فيما إذا كانت التغييرات الضرورية يمكن إدخالها بالسرعة الكافية في مثل هذا المجتمع المحافظ الذي يدار من قبل حكم ملكي مطلق لديه رغبة قليلة في إدخال أي إصلاحات سياسية، حسب ما أشارت الصحيفة.
وتحت عنوان "مقاومة من قبل المؤسسة الدينية"، تقول "الـ"واشنطن بوست" أن "سايمون هندرسون" وهو خبير في شؤون السعودية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، يرى أن المؤسسة الدينية لم تبد أي ردة فعل بشأن خطة الأمير "محمد"، بما يعني ربما أنها لا توافق عليها. ولا يوجد شيء في التغييرات الأخيرة من شأنه أن يكون مدعاة للفرح في المؤسسة الدينية "
وأضافت الصحيفة أن "الأمير محمد" أثار بدوره انزعاجا كبيرا بين السعوديين بما في ذلك بعض أعضاء العائلة المالكة بسبب شن حرب مكلفة في اليمن ومواجهة إيران المنافسة في جميع أنحاء المنطقة بقوة.وفي هذا الشهر قام الملك "سلمان" بإجراء تعديلات أخرى في الحكومة جرى تفسيرها على أنها تمهد الطريق لابنه نحو الصعود إلى العرش. ولكن القضية الأكثر إلحاحًا فيما يبدو أنه لم يعد هناك متسع لدعم الاقتصاد بالمزيد من تدفقات النقد. ويبدو أن هذا ما أدى إلى مظاهرات خلال الشهر الماضي من قبل العاملين في مجموعة بن لادن الذين تم الاستغناء عنهم ويقدرون بعشرات الآلاف من العمال معظمهم من غير السعوديين بعد أشهر من عدم تلقي رواتبهم. وقد قدر حجم ديون الشركة بحوالي 30 مليار دولار جزء كبير منها ديون مستحقة على الحكومة التي لم تقم بسداد فواتيرها".
ومع هذا، أكدت الصحيفة الأميركية أن "السلطات السعودية منعت الشركة من التقدم لأي عطاءات للحصول على عقود جديدة في أعقاب حادث سقوط رافعة المسجد الحرام خلال العام الماضي والذي تسبب في مقتل 111 شخصا. ولكن المعضلة الرئيسية التي تواجه بن لادن وغيرها من الشركات تكمن في نقص الأعمال وتأخر المدفوعات المستحقة عل الحكومة وفقا لما قاله "كريستوفر ديفيدسون" الخبير في شؤون دول الخليج في جامعة دور هام في بريطانيا".