الوقت- يسأل الكثيرون هذه الايام هل ان العراق سيرى في يوم من الايام استقرارا وأمانا؟ وفي الحقيقة يجب القول ان بعض جذور المشاكل الحالية هي تاريخية ومازاد الطين بلة هو الاحتلال والتدخل الخارجي، ان تراكم عشرات السنوات من النزاعات والازمات والقمع يطل برأسه بين الفينة والاخرى في العراق واليوم يضاف الى هذا الداء ايضا داء المحاصصة الطائفية الذي يقوي الفساد المالي والاداري ويدهور الحالة المعيشية للمواطنين.
ان عدم الاستقرار قد بلغ حدا كبيرا في العراق، فبالاضافة الى تواجد تنظيم داعش في جزء من محافظة نينوى والانبار يدعو الاكراد الى الاستقلال وسط هبوط اسعار النفط الذي اضر بالاقتصاد العراقي فيما التفجيرات مستمرة في المدن واحتجاجات الشعب متواصلة على الفساد المالي والاداري، والان يمكن ايضا اضافة الازمة السياسية الى هذه الازمات الامنية والاقتصادية بعدما رأينا كيف اعتصم جمع من نواب البرلمان واقتحم انصار التيار الصدري البرلمان العراقي.
ان جذور الازمة الحالية تعود الى صيف العام الماضي حينما كانت الكهرباء تنقطع باستمرار وشهد البلاد شحا في المياه وقد نزل العراقيون الى الشوارع رافعين سقف مطالبهم من الحكومة كما دعت المرجعية الدينية ايضا الى تلبية مطالب الشعب وبعد ذلك طرح رئيس الوزراء "حيدر العبادي" موضوع الاصلاحات وحينها قال البعض ان ما طرحه العبادي يستهدف "نوري المالكي" وقال الآخرون انه يريد القضاء على المحاصصة السياسية لكن في الحقيقة ان مشروع العبادي لم يكن ناجحا بغض النظر عن نواياه فهو وبدلا عن حل المطالب مثل الماء والكهرباء طرح حلا لقضايا اكبر ولم يحل قضية الماء والكهرباء كما ان رزمة اصلاحاته ضاعت في الدهاليز السياسية في العراق وقد انتقدت المرجعية الدينية الأداء الحكومي.
دخول السيد مقتدى الصدر على الخط
كان السيد مقتدى الصدر من داعمي رزمة الاصلاحات التي اعلن عنها العبادي لكن عندما اعلنت المرجعية الدينة عدم رضاها من عدم تطبيق هذا المشروع استفاد السيد "مقتدى الصدر" من هذه الفرصة ليقوم بدور اكبر وطرح موضوع تشكيل حكومة تكنوقراط وقد أيده "العبادي" في ذلك ونفذ التيار الصدري مظاهرات واعتصامات وتدهورت الامور دراماتيكيا الى ان اقتحم انصار التيار الصدري مبنى البرلمان.
التبعات الداخلية لزعزعة الاستقرار
ان معظم الخلافات الموجودة في الوقت الراهن يدور في داخل الاوساط الشيعية وهذا يمهد لتدخل الجهات الاجنبية التي تريد عراقا ضعيفا، ان اضعاف مكانة المؤسسات مثل رئاسة البرلمان ورئاسة الوزراء يفسح المجال امام تدخلات اكبر للجهات والاطراف الخارجية مثل امريكا وتركيا والسعودية وسيسعى هؤلاء الى زيادة دور حلفائهم في العراق من الاكراد والعرب السنة المتطرفين وقد انتشرت انباء عن تدخلات سعودية في الازمة.
تزايد المناورات الكردية
ان الاكراد بعثوا قوات البيشمركة الى طوزخورماتو في شمالي محافظة صلاح الدين بالتزامن مع اعتصام بعض النواب الشيعة في البرلمان وقد عجز البرلمان عن ابداء رأيه في هذا الموضوع بشكل صريح، ان تحركات رئيس اقليم كردستان "مسعود بارزاني" تصب الان في خانة الانفصال والاستقلال بشكل اكبر وان ارسال القوات الى مناطق متنازع عليها مع بغداد يدعو الى التأمل فالاكراد حفروا قنوات في الارض بذريعة مواجهة داعش لكنهم يعتبرون هذه القنوات حدود اقليم كردستان.
تراجع دور المرجعية الدينية
ان المرجعية الدينية شجعت الحكومة على مكافحة الفساد خلال السنوات الماضية لكن فيما يخص التنفيذ فلم يتم تسجيل نجاحات كبيرة في غياب الارادة اللازمة، ومن جهة اخرى يستمر الشرخ بين الاوساط الشيعية التي يجب ان تكون اقوى جهة داعمة للمرجعية وهذا سيؤدي الى تراجع دور المرجعية، ان آية الله العظمى السيستاني كان يحظى باحترام كافة الاطراف العراقية من الشيعة والسنة والاكراد لكن الان يتم تجاهل توصياته في المنافسات الجارية في البيت الشيعي وهذا يمكن ان يؤدي الى معارضة باقي الفئات لدور المرجعية بشكل اكبر من قبل في المستقبل.
تزايد قدرة داعش على المناورة
يواصل الجيش العراقي والحشد الشعبي وجماعات اخرى قتال تنظيم داعش لكن الحقيقة هي ان استمرار الازمة السياسية وتوسيعها سيقلل من تركيز هذه القوات والجماعات المسلحة على قتال داعش فعلى سبيل المثال حينما يرى وزير الدفاع مكانته مهزوزة فإن تركيزه على قتال داعش سيتأثر بذلك وعندما يعتصم بعض النواب المقربين لكتلة بدر في البرلمان فمن الطبيعي ان ينجر عناصر هذه المنظمة الى الازمة السياسية وهذا يصدق على الحشد الشعبي وسرايا السلام وباقي الجماعات.
وفي هذه الاجواء يكسب داعش قوة اكبر على المناورة في القتال وقد رأي الجميع انتشار انباء عن تركيز الحشد الشعبي على الدفاع عن بغداد في خضم الازمة السياسية الاخيرة وهذا يدل ان تهديدات داعش على بغداد قد اصبحت اكبر من السابق.
ان الازمة الحالية التي يمر بها العراق يمكن حلها بايجاد تعاضد وتكاتف اكبر بين الاطراف الشيعية وعلى الجميع ان يعلموا ان اتساع دائرة الازمة الحالية له تبعات كبيرة على العراق والمنطقة ويهدد انجازات جبهة المقاومة في المنطقة.