الوقت - قال رئيس الإستخبارات السعودية الأسبق "تركي الفيصل": "إذا كانت إيران تتجه نحو إمتلاك قنبلة نووية فإن جميع الخيارات ستبقى مطروحة على الطاولة ومن بينها سعي الرياض لإمتلاك السلاح النووي". جاء ذلك خلال مناظرة أجراها الفيصل مؤخراً مع الجنرال الإسرائيلي المتقاعد "يعقوب أميدرور" المستشار السابق لرئيس الوزراء الصهيوني "بنيامين نتنياهو " نظّمها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى. وفي نفس الوقت أكد الفيصل خلال المناظرة على ضرورة أن تكون منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل.
ومن تابع المناظرة يدرك جيداً أن التطبيع بين السعودية والكيان الإسرائيلي يسير على قدم وساق، وما هذه المناظرة إلاّ حلقة من حلقات هذا التطبيع. وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى اللقاءات المتكررة التي جمعت بين "أنور عشقي" عضو المجلس الإستشاري السعودي و "دوري غولد" مدير عام وزارة الخارجية في الكيان الإسرائيلي والمندوب السابق لهذا الكيان في الأمم المتحدة.
ورغم التصريحات المتعددة التي يطلقها المسؤولون السعوديون بين الحين والآخر بشأن نية الرياض إمتلاك سلاح نووي ومن بينها تصريحات السفير السعودي الحالي في بريطانيا "محمد بن نواف بن عبد العزيز" لصحيفة "ديلي تلغراف" التي أثارت سخرية بعض الخبراء والكتّاب حيث ردّ عليه الكاتب الأمريكي "فريد زكريا" قائلاً إن السعودية لاتستطيع بناء قنبلة ذرية وإن الذي تجيده فقط هو الثقب في الأرض لإستخراج النفط، يشكك المراقبون بقدرة الرياض على بناء برنامج نووي شامل لعدّة أسباب منها:
1 - تفتقر السعودية بصورة عامة للقدرات والكفاءات العلمية التي تمكنها من حيازة التقنية اللازمة لصناعة السلاح النووي. فعلى سبيل المثال لا يمتلك السعوديون الخبرة الكافية في عديد من المجالات من قبيل تخصيب اليورانيوم أو عملية تحويل الوقود النووي، أو تشغيل المفاعلات النووية، ويبدو هذا منطقيّاً لكون السعودية لا تقوم بتشغيل مرافق للطاقة النووية.
وقبل بضعة أشهر تحدث عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى السعودي "صدقة فاضل" عن نشاط مدينة "الملك عبد الله" للطاقة الذرية والمتجددة، حيث أكد أن اللجنة لم تبنِ مفاعلاً واحداً في هذه المدينة حتى الآن. وأضاف إنه لم يرَ سوى إتفاقيات لبناء برنامج نووي مع عدد من الدول بينها أمريكا وروسيا وفرنسا والصين وكوريا الجنوبية، أمّا على الأرض فلا توجد أيّ مفاعلات أو مراكز أبحاث نووية يعتد بها".
2 - السعودية عضو بمعاهدة حظر الإنتشار النووي الـ (NPT) منذ عام 1988، كما أنها وقعت العديد من الإتفاقيات الإضافية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عام 2005 التي تمنعها من حيازة السلاح النووي. وهذا يعني أن أيّ نشاط نووي سعودي خارج الإطار السلمي سيُعد خرقاً للمعاهدات الدولية، وهو ما سيسبب لها مشاكل دولية كبيرة جداً.
3 – من المستبعد جداً أن تسمح أمريكا والكيان الإسرائيلي للسعودية بحيازة السلاح النووي لخشيتهما من إحتمال وقوع هذا السلاح بيد الجماعات الإرهابية في المستقبل، بالإضافة إلى أنه يشكل تهديداً بالقوة لأمن الكيان الإسرائيليي حتى وإن تم تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب. في هذا الخصوص يعتقد معظم المراقبين بأن حصول السعودية على السلاح النووي يمثل خطّاً أحمر لواشنطن وكثير من العواصم الغربية الحليفة لها. وقبل فترة أكد وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" أن السعودية لا يمكنها السير بمشروع شراء سلاح نووي لما له تداعيات خطيرة، مستبعداً قدرة الرياض على القيام بهذه العملية.
4 - رفض الدول الأخرى ومن بينها باكستان تزويد السعودية بالسلاح النووي رغم الدعم المالي الكبير الذي قدمته الرياض للمشروع النووي الباكستاني خلال العقود الثلاثة الماضية.
في هذا السياق وصفت وزيرة خارجية باكستان "حنا رباني خار" الأنباء التي تحدثت عن إمكانية بيع إسلام آباد تكنولوجيا نووية إلى الرياض بأنها أكاذيب ولا أساس لها من الصحة. وأضافت بأن باكستان دولة نووية مسؤولة وذات رقابة وتحكم شديدين على صادرات أسلحتها، في حين وصف أحد المسؤولين في وزارة الدفاع السعودية التقارير التي تحدثت عن هذا الموضوع بأنها مجرد تكهنات و ليس لها مصداقية على أرض الواقع بأيّ حال من الأحوال.
5 - بالإضافة إلى ذلك فإن الرياض لن تخاطر بتعريض نفسها للعزلة الدولية التي قد تنجم عن مثل هذه الصفقة مع باكستان أو غيرها من القوى النووية، ممَّا قد يلحق ضرراً كبيراً بعلاقاتها السياسية والاقتصادية مع الدول الأخرى. وعلاوة الى ذلك فإن حكومة إسلام آباد واعية تماماً للمخاطر التي قد تنتج عن هكذا تعاون.
رغم ذلك لا زالت السعودية تحاول الإيحاء بأنها تسعى إلى إيجاد توازن مع البرنامج النووي الإيراني، عبر تفعيلها إتفاقيات حول الطاقة النووية، في حين يعتقد عدد من المحللين بأن الرياض قد تلجأ إلى شراء قنابل نووية في المستقبل بدلاً من إمتلاك برنامج نووي شامل لأسباب عديدة بينها إنّها من الدول الموقعة على معاهدة حظر الإنتشار النووي، بالإضافة إلى أن ذلك سيمنحها مساحة أكبر للتحرك في هذا المجال في حال كان هناك وضع إقليمي إستثنائي خطير، كما انه سيوفّر لها البديل عن المظلة النووية الأمريكية التي باتت غير أكيدة، خاصّة بعد التوترات التي سادت بين الجانبين منذ هجمات 11 أيلول / سبتمبر 2001، وإتهام واشنطن للنظام السعودي بدعم الإرهاب.
من خلال قراءة هذه المعطيات يمكن التوصل إلى نتيجة مفادها بأن السعودية ليست بصدد حيازة برنامج نووي شامل بقدر ما تسعى لإظهار نفسها على إنها قادرة على خلق توازن إقليمي خصوصاً مقابل إيران التي نجحت فعلاً بإمتلاك التقنية النووية السلمية رغم الضغوط الكبيرة التي واجهتها طيلة أكثر من عقد من الزمن.