الوقت- ساعات قليلة، كانت كفيلة بإنهاء الهدنة المتفق عليها دولياً على أرض حلب، حيث أعلن "جيش الفتح"بالتحالف مع فصائل أخرى، وعلى الهواء مباشرة، انطلاق معركة جديدة في ريف حلب الجنوبي، بهدف السيطرة على بلدة خان طومان الإستراتيجية.
سقطت الهدنة، لتسقط معها كافّة الأصوات التي تنادي بإخماد البنادق حيث أظهرت المشاهد الحيّة بالأمس كيف أسقطت المخابرات التركية، التي أعادت هيكلة "جيش الفتح"، المسلّح أمريكيا وسعودياً، من أجل خوض معركة ريف حلب الجنوبي، الهدنة التي أرادها الروس رغم تحفّظ دمشق، لتنهار معها خطوط حمراء وضعها الجيش السوري لنفسه إلتزاماً بقرار الحليف الروسي، وآخرى وضعتها واشنطن على موسكو عبر لسان وزير دفاعها آشتون كارتر الذي قال قبل أيام في مدينة شتوتغارت الألمانية: إن الحلف الأطلسي يتمسك بسياسة "الأبواب المفتوحة مع روسيا"، لكنه لن يتردد في "الدفاع عن حلفائه إذا ما شنت روسيا عدواناً".
وفى الوزير الأمريكي بوعده سريعاً، فاتحاً نار الجماعات الإرهابية، التي سلّحها في الهدنة السابقة حينما كانت الدولة السورية تفاوض في جنيف، على الجيش السوري وحلفاءه وسكّان المدينة في الشمال السوري، لتفتح الجماعات المسلحّة المتحالفة مع النصرة هجومها بتمهيد مدفعي، تبعته محاولات تقدم بري خلف آلية مفخخة يقودها الإنتحاري أبو جعفر الديري، تمكن الجيش السوري من تدميرها بصاروخ موجه في محيط خان طومان.
الهجوم الواسع الذي إستهدف بلدة خان طومان الإستراتيجية في ريف حلب الجنوبي من محاور عدّة، كان محمّلا برسائل نارية وخطيرة على أكثر من صعيد، يمكن إيجازها في النقاط التالية:
أولاً: إن منطق الهدنة لا يعني هذه الجماعات جملةً وتفصيلاً، وبالتالي فإن صوت الرصاص يعلو فوق كل الأصوات بدءاً من حلب وصولاً إلى جنيف. إن أي هدنة جديدة، بصرف النظر عن الجهة المقترحة أمريكية كانت أم روسية، تعتبر بمثابة إضاعة للوقت وفرصة جديدة لنزيف المزيد من الدماء الحلبية.
ثانياً: يعد الخرق الأخير نكسة قويّة لكل من روسيا التي وصفت الهدنة في حلب بالهشة جدّا،ً وأمريكا التي لازالت تأمل في صمود نظام وقف إطلاق النار أمام الخروقات، خاصةً أن واشنطن وبعض حلفاءها الإقليميين يعملون على تعمية الواقع فيما يخص المسؤولية عن خرق الهدنة، تماماً كما حصل قبل أيام في مدينة حلب حيث سقط مئات الشهداء والجرحى بسبب القصف الدموي الذي طال المدينة من فصائل متحالفة مع "جيش الفتح" كـ"جند الأقصى"، التي أقرت سلفاً بهذه المسؤولية.
ثالثاً: يكشف الخرق الأخير زيف التصريحات الأمريكية حول الجماعات الإرهابية التي حصرتها واشنطن بداعش وجبهة النصرة الإرهابيتين، خاصةً أن العديد من الجماعات التي تصفها واشنطن "بالمعتدلة" و"المتعاونة" تحالفت وجبهة النصرة في الخرق الأخير، وقبله، مثل "فيلق الشام و "حركة نور الدين الزنكي" و "الجبهة الشامية" و"جند الأقصى" و "الحزب التركستاني". هنا لا ندري هل تم الخرق الأخير بأوامر أمريكية، ما يعد نفاقاً سياسياً في التعاطي مع روسيا وسوريا والمجتمع الدولي، أم أن واشنطن غير قادرة على التحكم بهذه الفصائل، أو التأثير على قرارها، وفي كلتا الحالتين يمثّل هذا الأمر إدانة لأمريكا التي ترعى هذه الجماعات وتهدّد بالدفاع عنها.
رابعاً: رغم الخسائر التي تكبّدها الطرف المدافع، الجيش السوري وحلفاءه، إلا أن هذه الهجوم يثبت خيانة ونفاق واشنطن لروسيا والرأي العالمي وهذا ما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية التي أكّدت في تقرير لها بالأمس أن من تسميهم واشنطن "معارضة معتدلة" في سوريا وتعمل على توفير غطاء سياسي لجرائمهم في المحافل الدولية يتعاونون مع تنظيم "جبهة النصرة" الإرهابي وينسقون عملياتهم معه.
خامساً: يخطئ من يعتقد أن الأوضاع تتجه إلى الحلول الجذرية عبر المفاوضات، فالحلول الجذرية في المرحلة الجالية رهن الميدان فقط لا غير حيث أثبتت تجربة الفترة الأخيرة، والسنوات الخمس الماضية، أن الدول الإقليمية وتحديداً كل من تركيا والسعودية تمتلك دوراً بارزاً في قرار هذه الجماعات. السعودية التي تشكّل رأس حربة في المشروع القائم ضد المنطقة، سواءً في سوريا أو اليمن، ماضية في مخططها التفجيري بانتظار الانتخابات الأميركية، كما أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيركّز جهوده على الملف السوري بعد تحويل النظام إلى رئاسي وإنهاء الأزمة الداخلية، وبالتالي هناك تقطيعاً للوقت ومزيداً من الكيد وسفك الدماء بقرار ثلاثي أمريكي سعودي تركي.
سادساً: إن سقوط بلدة خان طومان في يد الجماعات الإرهابية وفي مقدّمتها "جبهة النصرة"، الذين يصفهم الإعلام الغربي بـ"الثوار"، إضافةً إلى الخسائر التي تكبّدها الجيش السوري وحلفائه تعد درساً حقيقياً للمرحلة اللاحقة حيث ستعمد واشنطن للخطوة نفسها. هذا الدرس هو أيضاً لروسيا التي ستكون في حل من أي تعهّد قدّمته لواشنطن.