الوقت- خرج المحتجون العراقيون من المنطقة الخضراء في بغداد بعد ان اقتحموا مبنى البرلمان قبل يومين ولم يعرف ماذا حققت هذه الحركة الاحتجاجية وان كانت في اساسها امرا مسموح بها في كافة الدول الديمقراطية.
ان تحسين الاوضاع المعيشية للشعب ومكافحة الفساد والمحسوبيات امر يطالب بها معظم الشعوب التي تعاني من اوضاع مماثلة ولايمكن لاي شخص ان يشكك بحق الشعب العراقي ايضا في هذا المجال خاصة اذا علمنا ان الفساد قد نخر في جسم العراق بشكل كبير لكن اذا اردنا تحليل ما شهده العراق خلال الايام والاسابيع الماضية ينبغي علينا ان نحسب الامور في اطار حسابات الربح والخسارة للشعب العراقي.
ان العراق بلد دخل منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي في حرب طاحنة مع ايران واستمرت تلك الحرب 8 سنوات وشهد العراق خلالها تدميرا واسعا لبناه الاقتصادية ومن ثم اجتاح صدام المعدوم الكويت وحصلت ما يسمى بحرب الخليج الفارسي الاولى حينما تم طرد قوات صدام من الكويت وقد دمرت البنى التحتية العراقية بواسطة القنابل والصواريخ الامريكية وبعد ذلك وضع العراق تحت حصار وتجويع لاكثر من 10 سنوات الى ان جاء دور احتلال العراق في عام 2003 واجتاحت القوات الامريكية والبريطانية هذا البلد وأتت على الاخضر واليابس وقتل مئات آلاف العراقيين في فترة الاحتلال ولذلك لايمكن لنا ان نقيس الفترة الحالية التي توجد في العراق عملية سياسية منتخبة من قبل المواطنين بفترة صدام او فترة الاحتلال الامريكي رغم اذعاننا بأن الفساد والفقر الذي يحتج عليهما العراقيون الان موجودين ويحتاجان الى معالجة جذرية لكن كيفية معالجة هذه المشاكل هي الامر الذي يجب ان يتفق عليه العراقيون بكافة فئاتهم لكي يفوتوا الفرصة على المتربصين بالعراق وفي مقدمتهم الارهابيين والجهات الاجنبية الذين ينتهزون كل فرصة من اجل الانتقام من الشعب العراقي لأن هذا الشعب يمتلك من جهة عملية سياسية قل نظيرها في الدول العربية ولأنه من جهة اخرى رفض بقاء الاحتلال ولم يعط المحتلين امتيازات سياسية كانوا يريدونها.
ان العملية السياسية في العراق هي مكسب كبير للشعب العراقي بعد عقود من الدكتاتورية والحصار والاحتلال ولا يمكن لعاقل في العراق ان يتمنى تدمير هذه العملية في وقت يحتل الارهابيون محافظات واراضي ومدن كبيرة في هذا البلد لأن اي اضعاف للعملية السياسية ولقدرات الحكومة والسلطات العراقية يعني مباشرة دعم قوة الارهابيين من تنظيم داعش وباقي الجماعات المسلحة التي رأينا جميعا كيف انتهزت الفرصة ونفذت في عدة مناطق من العراق تفجيرات دامية خلال الايام الماضية راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى من ابناء الشعب العراقي.
ان الحكومة العراقية كانت قد نجحت خلال الشهور الماضية في تضييق الخناق على تنظيم داعش الارهابي وهذا كان مكسبا كبيرا للعراقيين بكافة طوائفهم وان انتهاز داعش للاجواء السياسية المضطربة في العراق وتنفيذ عمليات امنية من جديد يعتبر خسارة كبيرة للعراقيين الذين لا يختلف اثنان بأنهم يحتاجون الى وحدة الصف ومؤازرة حكومتهم وقواهم العسكرية المختلفة في الحرب الشرسة ضد الارهاب والارهابيين وحماتهم الدوليين.
ولا يحق لوسائل اعلام الدول العربية الدكتاتورية التي لاحرية ولا اعتصامات ولا مظاهرات فيها ان يتخذوا هذه الاضطرابات السياسة الاخيرة في العراق ذريعة لبث سمومهم والنيل من العملية السياسية في هذا البلد والتدخل في شؤونه الداخلية وتأجيج الاوضاع فيه لأن "فاقد الشيء لايعطيه".
ومن ناحية أخرى لا يمكن التغافل عن الدور الامريكي المريب في العراق فالامريكيين الذين يقولون في العلن انهم يحاربون الارهاب ويشنون الغارات على داعش في العراق يقومون سرا بمد داعش والارهابيين الآخرين بالاسلحة باعتراف الرئيس التركي "رجب طيب اردوغان" الذي قال ان دولا في حلف الناتو تدعم الارهابيين بالسلاح، علما بأن "اردوغان" يدعم الارهابيين هو ايضا في العراق وسوريا، فأمريكا التي تريد تقوية الارهابيين لها دور في تأجيج الخلافات بين العراقيين ايضا وان الزيارة الاخيرة لنائب الرئيس الامريكي "جو بايدن" للعراق وتصريحاته لم تتسبب الا برفع مستوى التوتر في هذا البلد وحدوث ما شهدناه خلال الايام الاخيرة في بغداد.
وللوقوف على حقيقة النوايا الامريكية يمكننا الاشارة هنا الى اقوال السفير الامريكي السابق في سوريا "روبرت فورد" الذي قال في مقابلة مع وكالة انباء الاناضول "ان الاحداث الجارية في العراق حاليا لها معاني منها امكانية حصول اشتباكات بين الاطراف الشيعية وبين مؤيدي السيد مقتدى الصدر او امكانية حصول اشتباك بين اطراف مؤيدة لإيران وبين مؤيدي الصدر"، وتكشف هذه التصريحات امكانية وجود مخطط امريكي للاصطياد في الماء العكر وضرب وحدة الشيعة في العراق وافتعال فتن شيعية شيعية او شيعية سنية خدمة لمصالح واشنطن وباقي اعداء العراق.
ان الاحتكام للعقل والحوار السياسي البعيد عن المشاحنات وصون وحدة الصف في العراق هو المطلوب الان اكثر من اي وقت مضى نظرا لكثرة اعداء الشعب العراقي الذي اثبت انه يمتلك قدرات هائلة وبامكانه قصم ظهر الارهاب ولذلك فإن المطلوب من العراقيين اليوم هو وقفة ضمير لوضع الامور في نصابها وايجاد حلول تحفظ كرامة الشعب العراقي من كافة النواحي.