الوقت- عادت القاعدة التركية في قطر إلى الواجهة من جديد حيث أعلن السفير التركي في قطر، "أحمد ديميروك"، أن بلاده ستشرع ببناء قاعدة عسكرية في قطر لتعزيز الشراكة مع الدوحة في الوقت الذي ترتفع فيه حالة عدم الاستقرار في المنطقة.
"ديميروك" كرّر حديثه السابق في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قبيل زيارة الرئيس التركي، "رجب طيب أردوغان"، التي أفضت إلى توقيع 15 إتفاقية جديدة، أبرزها مذكر تفاهم لتصدير الغاز من الدوحة إلى أنقرة إثر خلاف الأخيرة مع روسيا، وإلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين. التعاون القطري التركي تعزّز مؤخراً إثر توقيع الجانبين، وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري، "خالد بن محمد العطية"، ونظيره التركي "عصمت يلماز"، اتفاقية تعاون في المجال العسكري، الخميس، تُفيد بتمركز قوات تركية في قطر، وذلك إثر مباحثات رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية القطري، الشيخ "عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني"، ورئيس الوزراء التركي، "أحمد داوود أوغلو".
"أوغلو" إعتبر أن التعاون العسكري سيساعد في التصدي للتهديدات التي تواجه البلدين، وأضاف "أتيت إلى هنا والتقيت بضباطنا. قلت لهم قطر وطنكم الثاني أنتم لستم في دولة أجنبية". وتحدث رئيس الوزراء التركي وخاطب "داود أوغلو" الطلبة في جامعة قطر قائلاً: "أستطيع أن أقول لكم الآن إن أمن واستقرار قطر مثل أمن واستقرار تركيا. نريد منطقة خليج مستقرة وآمنة. تركيا وقطر مصير واحد… وتواجهان التهديدات نفسها"، فهل تصح تصريحات أوغلو؟
تقضي الإتفاقية الموقّعة في ديسمبر الماضي بين الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" وأمير قطر "تميم بن حمد آل ثاني" بإستجلاب " 3000 جندي من القوات البرية، إلى جانب وحدات جوية وبحرية ومدربين عسكريين وقوات عمليات خاصة، سيتمركزون في القاعدة "متعددة الأغراض" التي ستكون أول منشأة عسكرية تركية في الشرق الأوسط"، وفق ما أوضح السفير التركي في قطر، "أحمد ديميروك" في وقت سابق.
يمكن قراءة المشهد الخليجي من منظارين مختلفين الأول قطري والآخر تركي. فأما القطري يكمن بحماية "الإمارة الغازية" في مرحلة ما بعد الإنسحاب الأمريكي من المنطقة رغم أن هذا البلد يحوي أكبر قاعدة جوية أميركية في الشرق الأوسط وهي قاعدة "العديد"، حيث يتمركز نحو عشرة آلاف عنصر. إلا أن تراجع الاهتمام الأميركي الملحوظ بالمنطقة بدء بالعراق وليس إنتهاءاً بالبحرين حيث حلّت القوات البريطانية مكانه، قد ينسحب قريباً على قطر التي ترغب بدور أكبر من حجمها، لذلك عمدت إلى إستجلاب القوات التركية القادرة على الوقوف بوجه "الشقيقة الكبرى".
في المشهد الخليجي يبدو هناك إمتعاضاً واضحاُ من الخطوة القطرية حيث ذكر موقع "إنتليجانز أونلاين" الفرنسي، في وقت سابق، أن الإمارات العربية المتحدة أعربت عن رفضها واستنكارها للإتفاق العسكري التركي- القطري، الذي يقضي بإنشاء قاعدة عسكرية تركية في قطر، وأما السعودية فمن المبكر الحديث عن الخلاف المحتم مع كل من قطر وتركيا، ريثما ترتفع أزمات المنطقة، وتسعى تركيا لتكريس نفسها كزعيمةً للعالم الإسلامي الذي تراه الرياض حكراً لها.
وأما في المشهد التركي، فلا يمكن حصر الأهداف بالغاز القطري أو تسويق القطعات العسكرية التركية، بل يأتي في إطار جهود أنقرة لبسط النفوذ في المنطقة العربية بدءً من سوريا، مروراً بالعراق و وصولاً إلى الصومال حيث تستعد أنقرة، لتأسيس تواجد عسكري لها في خليج عدن الاستراتيجي، وذلك من خلال إنشاء قاعدة عسكرية لها في الصومال، بغية تدريب نحو 10 آلاف و500 جندي صومالي.
الرئيس التركي الذي يتأسى بالدول الكبرى عموماً، وأمريكا على وجه الخصوص عبر إنشار قواعد عسكرية في دول مختلفة، ولاندري السبب الرئيسي في ذلك، فهل هو إنضمام تركيا في عهده إلى الدول الصناعية، أم بسبب تواجدها في حلف الناتو أم أن أحلام السلطان العثماني الجديد تريد إستعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية، يسعى لتحقيق أهداف إستراتيجية من خلال هذه القواعد العسكرية تتمثل بمواجهة كل من إيران والسعودية. إيران المتهمة بإحتلال أربع عواصم عربية؛ دمشق، بغداد، بيروت وصنعاء، وأما السعودية فتسيطر على العديد من دول الخليج الفارسي، في حين أن أنقرة التي لم تنجح في تمرير مشاريعها "العثمانية" في سوريا، دفعت بأردوغان للقفز بعيداً علّه ينجح في فرض معادلته على الساحة الشرق أوسطيّة.
ولكن ما غاب، أو غُيّب، عن "أردوغان" ان أمريكا بجيشها وأسطولها البحري والجوي فشلت في الصمود امام الهزّات الأفغانية والعراقية، فكيف الحال بتركيا التي تعاني من أوضاع داخلية صعبة، ستزداد مع محاصرة تنظيم داعش الإرهابي الذي لن يجد مكان للفرار سوى الأراضي التركية. لذلك من الأفضل لأردوغان أن يعمل على الوقوف إلى جانب الشعوب التي تملك الكلمة الفصل في أي صراع حالي أو مستقبلي، ولكن هذا ما لا يفقهه "أردوغان" وفق ما لمسناه في تجربته منذ بدء ما سمّي بـ"الربيع العربي".
ما بين المشهدين القطري والتركي، البلدين اللذين دعما الإخوان المسلمين في مصر والجماعات الإرهابية المسلحة التي تحارب الجيش، يتّضح أن القاعدة العسكرية التركية ليست في وارد حماية قطر، سواءً بسبب التواجد الأمريكي أو بسبب الحجم العسكري التركي، بل تهدف لعسكرة المنطقة وتحقيق الأطماع "الأردوغانية" اذ تحاول أنقرة ترديد عبارة "أنا هنا" في كل التطورات الإقليمية، كحال الدول الكبرى ، وما حديث داود أوغلو مؤخراً للطلبة في جامعة قطر حول كون القاعدة تسعى لتحقيق الاستقرار ومواجهة التهديدات المشتركة، إلا من قبيل تعليب الذرائع التي تأتي غالباً بوجه سياسي وآخر إقتصادي، أو عسكري كما يحصل حالياً.
في المرحلة المقبلة، ستكون قطر بؤرة لبروز صراعات قطرية خليجية من ناحية، وتركية سعودية من ناحية آخرى، فلطالما إعتبرت الرياض الدول الخليجية المحيطة بمثابة حدائق خلفية وأمامية، إلا أن تقاطع المصالح في كل من سوريا والعراق دفع بالسعودية لغضّ الطرف عن الحضور التركي هناك.
إن تركيا هي الخاسر الأكبر من أي عسكرة للمنطقة، فدينياً تنقسم الكعكة الإقليمية على كل من مصر وإيران والسعودية، وأما قومياً فلا تملك أنقرة مثقال خردلة في المنطقة العربية، وأما من الناحية السياسية فتجربة أردوغان من العام 2011 وحتى العام الجاري خير دليل على واقع جديد يحاكي عداء الشعوب العربية للحكم العثماني.