الوقت- يشكل البرنامج النووي الايراني نقطة التقاء بين جميع المكونات السياسية للمجتمع الايراني، فهناك اجماع شعبي حول ضرورة التمسك بحق ايران في انتاج الطاقة النووية وامتلاك التكنولوجيا اللازمة لهذه الأمر. وتخوض ايران منذ أعوام مفاوضات حامية الوطيس مع الدول الغربية حول الموضوع النووي، لم تثمر هذه حتى الآن بإيجاد حل يرضي الطرفين ويضمن لإيران حقوقها النووية.
بالأمس لوح رئيس هيئة الاركان المشتركة الأمريكية مارتن ديمبسي بالخيار العسكري في حال فشل المفاوضات مع ايران ومضيها قدما في برنامجها النووي. وقال ديمبسي في حوار متلفز على محطة فوكس نيوز "كنا واضحين جدا بأن ذلك سيشكل خطرا غير مقبول ولذا فإننا نبقي على جهوزية قدراتنا العسكرية في حال طلب منا القضاء او الأصح تأخير البرنامج النووي الايراني".
ما نعرفه هو أنّ الولايات المتحدة وإسرائيل كانت تخطّط جدياً لحرب ضدّ إيران، أو أقله حملة جوية لضرب البرنامج النووي الإيراني وأهداف عسكريّة اخرى، منذ أيّام غزو العراق. إلا أمريكا كانت دائماً تعيد حساباتها مع كل تهديد تطلقه ولم تتجرأ حتى اليوم على القيام بهذه الخطوة، فما الذي أجّل المواجهة طوال هذه السنين حتّى أصبحت سيناريو مستبعد وغير محبّذ بالنسبة للجيش الأميركي، على الرغم من الاحتجاجات الإسرائيلية؟
لاشك أن القوة المتنامية للجمهورية الاسلامية الايرانية سواء على الصعيد العسكري أو السياسي، والكلفة الباهظة لأي عمل عسكري ضد ايران هو ما دفع الولايات المتحدة للتريث في توجيه أي ضربة عسكرية للمنشآت النووية الايرانية.
نحاول هنا تسليط الضوء على بعض نقاط القوة لدى الجمهورية الايرانية والتي دفعت الولايات المتحدة وماتزال، للتفكير ألف مرة قبل الإقدام على أي مغامرة عسكرية ضد البرنامج الايراني النووي.
نقاط القوة الايرانية:
ناهيك عن القدرات العسكرية الهامة التي تحظى بها إيران والتي سنأتي على ذكرها، تمتلك ايران العديد من عوامل القوة التي تجعل منها قوة مهيوبة الجانب على مستوى المنطقة:
1- تمتلك ايران قدرات عسكرية عالية، وهي تعمل بشكل دائم على تطوير صناعتها الحربية، وجهوزيتها القتالية، وتتمتع قواتها بروح قتالية وعقائدية مرتفعة، وبالرغم من أنها ربما لا تضاهي الولايات المتحدة الأمريكية بحجم التسليح، إلا أنها تعرف كيف تستثمر نقاط ضعف خصومها، وكيف تشكل مصدر قلق لأعدائها، يمنعهم من التعرض لحدودها، وقد هددت ايران أكثر من مرة بأن أعدائها سيلقون رداً قاسياً في حال تعرضوا لمهاجمتها، وقد صرح قائد الثورة الاسلامية السيد علي خامنئي بأن "ايران ستسوي حيفا وتل أبيب بالأرض في حال أقدمت اسرائيل على مهاجمة ايران."
2- لا يمكن للولايات المتحدة أن تنفذ ضربة محدودة أو احتوائية، تُعجز إيران عن الردّ، فقد اكتشف العسكريون الاميركيون أنّ حصر الحرب ضدّ إيران - كما جرى مع العراق عام 1991 - مستحيل. حيث لا يمكن ضرب المواقع النووية الايرانية من دون تأمين القواعد الجوية في المنطقة، وهذا يستلزم ضرب منصات الصواريخ الايرانية، ولا يمكن تنفيذ ذلك بينما الخليج يعجّ بالصواريخ المضادة للسفن، مما يعني أن خريطة أهداف الحملة الأميركية ستتسع أكثر فأكثر لتتضمن غزواً للسواحل الايرانية وتدميراً لعدد كبير من المنشآت العسكرية في البلد، وبالتالي ستتحول الحملة الجوية الخاطفة الى خطّة حربٍ شاملة بمئات وآلاف الأهداف، وهذا سيكلف الولايات المتحدة ثمناً باهظاً.
3- تمتلك ايران جهاز استخباري واسع التجربة أثبت كفاءة عالية خارج الحدود الايرانية، وقد نفذ عمليات واسعة ومعقدة في الخارج من أبرزها عملية إلقاء القبض على الارهابي عبدالمالك ريغي واجبار الطائرة المدنية التي كانت تقله من دبي، على الهبوط داخل الأراضي الايرانية، فإيران بما لديها من قدرة استخباراتية عالية يمكنها وبكل سهولة نقل المعركة إلى قلب الولايات المتحدة وحلفائها.
4- لايران حلفاء أقوياء ومؤثرين في المنطقة، حيث تتسع دائرة تأثيرهم من البحر الأحمر ومضيق باب المندب حيث تنتشر جماعة انصار الله في اليمن، وحتى البحر المتوسط حيث سوريا وحزب الله وحركات المقاومة الفلسطينية، فأداء هؤلاء الحلفاء، في لبنان وغزة والعراق، يرسمان الحدّ بين الدعاية والجدّ، ويعطيان صورةً لا يمكن دحضها عن المستوى القتالي الذي ستواجهه أية قوة غازية. حين ضُربت البارجة الإسرائيلية "هانيت" عام 2006 بصاروخٍ ايراني الصنع، يقول العديد من الخبراء، تأجّلت الحرب على إيران لأعوام. وقد حذرت الولايات المتحدة "اسرائيل" مراراً من مغبة الهجوم على ايران، وخلص معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أن على تل أبيب التفكير مليًا قبل الهجوم على إيران لأنّ حزب الله قادر على شلّ البنية التحتيّة الإسرائيليّة ويمتلك صواريخ متطورّة جدًا وعالية الدقّة. ويرى مراقبون أن تأثير ايران ونفوذها في المنطقة بلغ حدا لا يستهان به، فإيران استطاعت بما تملكه من أوراق قوة أن تؤثر في تنصيب رئيس في العراق ومنع رئيس من السقوط في سوريا والمفاوضة على تنصيب رئيس في لبنان والعمل على الاطاحة برئيس في اليمن.
5- التحوّل في العلاقة بين طهران وموسكو من التفاهم إلى التحالف. فروسيا التي شاركت سابقاً بالعقوبات ضد إيران في مجلس الأمن تقف اليوم إلى جانبها أكثر من أي وقت مضى، وتقول للإيرانيين بأن عليهم الثبات وعدم تقديم تنازلات، وهذا أمر لا يمكن التقليل من شأنه.
6- على الصعيد النووي ينبغي الالتفات أن القدرة النووية الايرانية ليست مستوردة من الخارج، بل هي من صنع سواعد أبنائها، وعليه فإن أي ضربة للمنشآت النووية في حال حدوثها لن تقضي على البرنامج النووي الايرانية في حال من الأحوال، كما حصل مع العراق عندما ضربت اسرائيل مفاعل تموز في عام 1981، كما ينبغي الالتفات أن ايران أنجزت بنية تحتية لمشروعها النووي بالرغم من كل الضغوط والعقوبات وأصبح الموضوع أمراً واقعاً.
7-- لإيران باع طويل في مقاومة العقوبات الاقتصادية عليها، حيث تعتمد الجمهورية الاسلامية على الاقتصاد المقاوم، وتعتمد على نفسها في كثير من الصناعات، وحتى المعقدة منها، الأمر الذي أكسبها اكتفاء ذاتياً عالياً في شتى المجالات.
إضافة إلى ما سبق نتوقف هنا عند استعراض بعض القدرات العسكرية الايرانية والتي من شأنها أن تجعل الولايات المتحدة تتريث كثيراً قبل الاقدام على اي حملة عسكرية ضد ايران.
جانب من القدرات العسكرية الايرانية:
1-تحتل ايران المركز الرابع عالمياً من خلال تنوع وكفاءة ترسانتها الصاروخية، منها الصواريخ طويلة المدى شهاب 1 و2 و3 والتي تستطيع الوصول إلى الكيان الصهيوني انطلاقاً من الحدود الايرانية، أو الصواريخ قصيرة المدى عالية الدقة، التي يمكن أن تمطر الكيان الصهيوني انطلاقاً من لبنان وغزة، كما أن هذه الصورايخ ذات فاعلية كبيرة في مواجهة القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج الفارسي خاصة وأن المسافة بين البر الايراني وقاعدة الاسطول الخامس في البحرين على سبيل المثال تقل عن 190 كيلومتر.
2- طورت ايران صناعات حربية ملائمة لطبيعة معركتها المحتملة مع الولايات المتحدة، وقد عملت على تطوير زوراق سريعة مجهزة بصورايخ قوية عالية الدقة تستطيع أن تناور بسهولة في المساحة الضيقة للخليج الفارسي وتضع جميع القطع المتحركة في مياه الخليج الفارسي ضمن مرمى نيرانها وأن تحقق اصابات مباشرة في البوارج الامريكية. كان عملت ايران على تطوير غواصات صغيرة ذات قدرة مناورة عالية، قي قبال الغواصات الأمريكية الضخمة التي تفتقد قدرة المناورة في مياة لا يزيد ارتفاعها عن 50 مترا.
3- تتمتع القوات العسكرية الايرانية بجهوزية عالية، تقوم بمراقبة الحدود بدقة والرد على اي اعتداء بسرعة فائقة، حيث قامت القوات البحرية الايرانية باعتراض زورق حربي للقوات البريطانية وألقت القبض على 11 من جنود البحرية البريطانية بمجرد دخولهم امتار قليلة في المياة الاقليمية الايرانية. وتروى مصادر مطلعة أن القوات الأمريكية والبريطانية تجيب سريعاً على أي نداءات عبر اللاسلكي تطلقها القوات البحرية الايرانية، خوفاً من سرعة الجانب الايراني في اتخاذ التدابير اللازمة.
4- طورت ايران خلال السنوات الماضية نظاماً رادارياً فائق الأداء يمكنه كشف طائرات الشبح أو حتى الطائرات بدون طيار صغيرة الحجم والتشويش على نظام "جي بي اس" الذي يربطها بالأقمار الصناعية، وقد تمكنت إيران من التحكّم بطائرة تجسس أميركية "آر كيو" وانزالها وأسرها العام الماضي، المفاجئة كانت في أن القوات الايرانية وخلال عملية أسر الطائرة استطاعت "اعماء" قمر صناعي للتجسس كان يمرّ فوق إيران، عبر شعاع ليزر ضرب عدسته على الأرجح، أي أن ايران تمتلك اليوم القدرة من تتبع الأقمار الصناعية ذات المدار المنخفض والتعامل معها. فإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن أي عملية استخدام لذخائر طويلة المدى لا يمكن أن تتم بدون القدرة على الاستطلاع الفضائي والالكتروني، ندرك حينها أن جزء هاماً من القدرة الأمريكية على ضرب ايران خرج من دائرة التأثير.
5- تعتمد ايران في الجزء الأعظم من صناعاتها الحربية على قدراتها الذاتية، وهذا يشكل نقطة قوة هامة، حيث أن جميع الاسلحة التي يتم بيعها في العالم هي معروفة، وليس من الصعب كشف مكامن ضعفها، أما التسلحيات الايرانية فهي اختصاصية ومحاطة بالكثير من السرية. ما يخيف الجيش الغازي هي الأمور التي لا يتوقّعها، والرادار الذي لا يعرف بوجوده، والوسائط الدفاعية التي لا يتحضّر لها. من ناحية أخرى تبرع الجمهورية الاسلامية في الحرب النفسية، بحيث لا تمتلك أي قوات معتدية تقديراً حقيقاً عن ما يمكن أن ينتظرها من مفاجئات.
الخاتمة:
لا شك أن الجمهورية الاسلامية الايرانية عندما بدأت بناء برنامجها النووي كانت تدرك جيداً أن الولايات المتحدة لن تتقبل بسهولة قيام دولة نووية مناوئة للاطماع الأمريكية في المنطقة، لذلك قامت طوال 35 سنة من عمر الثورة بتنمية قدراتها السياسية والعسكرية جنباً إلى جنب مع قدراتها النووية، وبذلك استطاعت أن تحمي انجازها النووي وتمنع عن نفسها ضربة عسكرية محتمة سواء من قبل أمريكا أو اسرائيل. ولاشك أن الولايات المتحدة تعلم جيداً أن ما عجزت عن تحقيقه في عام 2003 عندما لم تكن ايران قد بلغت هذا الحد من القوة بعد، هي عنه اليوم أعجز، فزمن أحادية القطب في العالم قد ولى ولابد للولايات المتحدة أن تتواضع لإرادة الشعوب.